بعد إعادة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، قام العديد من المحللين، أثناء مراجعة سياساته في الولاية الرئاسية الأولى، بالتنبؤ بتصرفاته وردود أفعاله إزائ التطورات الجارية في العالم وذلك عبر الاستناد الى مؤشرات أدائه فيما سبق.
إن التجارب المكتسبة من تواجد ترامب لمدة أربع سنوات في البيت الأبيض، فضلا عن حقيقة حدوث تغييرات عميقة بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، إلى جانب تغييرات كبيرة في دور ووظيفة وحركة الفاعلين الرئيسيين، كلها مهمة ومؤثرة وستكون مكونات سلوك وطريقة اتخاذ قرارات ترامب المهمة فعالة في الولاية الرئاسية الجديدة.
ورغم أن ترامب يتمتع بشخصية لا يمكن التنبؤ بها ويعتبر البعض ذلك من خصائصه، إلا أنه ليس من الصعب التنبؤ بأولوياته الثابتة، خاصة بعد فترة رئاسية دامت أربع سنوات.
ومن الواضح جدًا أن الاقتصاد دائمًا ما يكون على رأس قائمة أولويات ترامب، وجميع تصرفاته، بما في ذلك سياسته الخارجية، يتم تنظيمها وتنفيذها بالارتكاز على المنطق الاقتصادي.
إن الحربين المهمتين اللتين تدوران حالياً في أوكرانيا وغرب آسيا، بغض النظر عن متغيراتها السياسية والاجتماعية والعسكرية والبشرية، لهما تأثير مهم جداً على الاقتصاد العالمي، ومن الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد الأمريكي أيضاً بشكل خطير إثرهما.
أحد مزاعم ترامب خلال الحملات الانتخابية، والتي كان لها صدى واسع بسبب تأكيده على إنهاء الحربين المذكورتين، هو التأكيد على إنهاء الحرب في غزة ولبنان. ولا يمكن الالتفات إلى ادعاء ترامب هذا بسبب روحه الخيرية وكرهه للعنف والفتن، لأنه أثبت العكس مرات عديدة وفي مختلف القضايا. إن العامل الدافع الوحيد الذي يمكن أن يبرر إرادة ترامب وجهوده لإنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا هو الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها الولايات المتحدة نتيجة للحروب والتكاليف الباهظة والفواتير التي يصدرها حلفاء البلاد باستمرار لإدارة ساحة المعركة والتي يدفعها دافعو الضرائب الأمريكيون.
في المقابل، يتطلع الحلفاء الأوروبيون، وكذلك رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، الذي رحب بإعادة انتخاب ترامب برسالة دافئة للغاية، إلى استمرار الحروب المكلفة والمدمرة في أوكرانيا وغزة على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والشخصية. ومهما كانت تكاليف استمرار الحرب، فإنها تفرض الفوضى على الاقتصاد الأميركي، ويتوقعون أن تدعم إدارة ترامب طلبهم وتستمر في دعمهم في مختلف المجالات المتعلقة بإدارة الحرب.
ورغم أن علاقات أمريكا مع أوروبا والكيان الصهيوني وأهمية وتأثير علاقات واشنطن مع كل منهما تتبع متطلبات واعتبارات خاصة ومختلفة أحيانا، إلا أن "التعقيد والصعوبة" سمة مشتركة لعلاقات أمريكا مع أوروبا والكيان الصهيوني في الوضع الماثل على الساحة الدولية.
في غضون ذلك، فإن التحقيق في الإحداثيات السياسية والعسكرية والجيوسياسية للحرب في غزة ولبنان يظهر أيضاً أنه نظراً للتعقيدات التي تحكم ظروف كلا الصراعين، فإن الوعد الذي قطعه ترامب بإنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا أمر صعب، وإمكانية تحقيقها في وقت قصير تكاد تكون مستحيلة.
واللافت في هذا العدد هو عرض بعض التحليلات التبسيطية التي تعتبر تثبيت وقف إطلاق النار معادلاً لوقف الحرب وتعتبر أن تحقيقه ممكن.
ولو وضعنا قضية وفاء ترامب بوعده بإنهاء الحرب في الميزان لاحتجنا الى فتح ملف تحليلي منفصل لتوضيح جميع النقاط الهامة.
ويمكن ان نشير هنا الى أن أوروبا تعتبر نجاح روسيا في الحرب مع أوكرانيا وتحقيق أهداف موسكو في هذا المجال أهم تهديد لأمنها القومي، وللكيان الصهيوني، وخاصة نتنياهو نفسه، دون أن يحقق النجاح الذي يلهث وراءه بعد ان واجه سلسلة من الهزائم الميدانية خلال العام الماضي، وليس لديه أي نية للانسحاب من الحرب، وهو ما يظهر وحده الفجوة العميقة بين إرادة ترامب وإرادة حلفائه.
نورنيوز