نورنيوز- اختتمت الجولة التمهيدية الجديدة من محادثات فيينا بين ممثلي إيران ومجموعة 4 + 1 أمس الجمعة، في أجواء فضلت فيها الأطراف الأوروبية المفاوضة مواجهة المقترحات الرسمية والعملية للوفد الإيراني، والعودة إلى عواصمها للتشاور واتخاذ قرار بشأن كيفية استئناف المحادثات.
لو ألقينا نظرة فاحصة على أداء الغربيين في هذه الجولة من المفاوضات يتّضح لنا أنه وعلى عكس نهج إيران الجاد والبراغماتي، لم ينصب نهجهم لا من قريب ولا من بعيد على نص المفاوضات وتقديم حلول واضحة وشفافة، إنما انحصر في قوقعة إلقاء اللوم والتسويف.
يأتي هذا في وقت وجهت فيه الاطراف الغربية أصابع الاتهام نحو إيران قبل وبعد بدء المحادثات، محمّلين طهران مسؤولية تأخير وإطالة عملية التفاوض بشتّى الطرق.
في غضون ذلك، وسرعان ما اختتمت الجولة الجديدة من المحادثات أعمالها في فيينا، اشتد وطيس حملة الاعلام الغربي بنفس النهج ضد ايران.
لكن المسألة التي تحتاج الى توضيح وبيان دقيق، هي أي جانب ولأي سبب يستفيد من إطالة أمد المفاوضات؟
دخلت إيران في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول رفع العقوبات التي أثرت على اقتصاد البلاد، كما انها تولي أهمية كبيرة بالسياسة الخارجية والمفاوضات رغم الإجراءات الفعالة التي اتخذتها خلال الأشهر القليلة الماضية لتخفيف وطأة الحظر على اقتصاد البلاد، وهو ما يعني انها ترغب بالتوصل إلى اتفاق لرفع الحظر الجائر.
منذ البداية، أعلنت الجمهورية الاسلامية أنها مستعدة للعودة إلى التزاماتها في حال تم رفع العقوبات (التزام الأطراف الغربية تجاه الاتفاق النووي) وأثبتت في السابق أنها ستفعل ذلك بالتزام كامل، وبهذا يمكننا القول انه لا يوجد سبب يدعو إيران إلى إطالة أمد المفاوضات وتقويضها أو إفشالها.
من جهة أخرى، باتت أمريكا الآن التي أثبتت فيما سبق تمرّدها على القوانين وعدم الاتساق في هيكلها الحاكم مع انسحابها غير القانوني من الاتفاق النووي، مترددة في العودة إلى التزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، وهي اليوم لا تتحدث فقط عن التنفيذ الانتقائي لبنود الاتفاق، بل تبعث برسائل مفادها أنها ليست مستعدة لتقديم أي ضمانات بعدم تكرار الانتهاك السابق للاتفاق الذي حصل على أيدي ترامب.
في ظلّ هذه الظروف، ولزيادة الضغط على إيران وإرغام الجمهورية الإسلامية على الخنوع لمطالب الغرب المتمثل بأمريكا والترويكا الأوروبية، التي لايتعدى دورها كونها مجرد اداة لواشنطن وليس لها دور مستقل في المفاوضات، تنتهج الاطراف الغربية في الاتفاق عدة اساليب لتحقيق مآربها بإفشال المفاوضات، ما يسوّغ لها مواصلة سياسة الضغوط القصوى ضد ايران.
واستخدمت الجبهة الغربية محاور عدّة لقلب المعادلة في فيينا لصالحها، محاور من قبيل "التأثير على الوضع الاقتصادي داخل إيران عن طريق الضغوط" واتخاذ إجراءات علنية وسرية لرفع أسعار الصرف الأجنبي، وتحريض النقابات العمالية على تنظيم مسيرات احتجاجية ورفع مطالبها، وتكرار التهديدات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وتصعيد الاعمال الخبيثة للكيان الصهيوني، وتحويل الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى اداة لكيل الاتهامات والتحريض ضد ايران.
بعبارة أخرى، ما تقوم به كل من امريكا وحلفائها الغربيين، الذين يوقنون جيدًا أنهم يفتقدون للحق القانوني وفقا للاتفاق النووي، هو السعي لإطالة أمد المفاوضات بأذرع غير قابلة للتفاوض في طريق استسلام إيران عبر وسائل الإعلام وعبر الصخب والخطاب الدعائي المنظم، وفي نفس الوقت يتهمون إيران بمحاولة تضييع الوقت وإفشال المباحثات.
المعادلة التي تمت مناقشتها في فيينا بسيطة للغاية وليست بحاجة الى كل هذه المراوغات، ذلك في حال نظرت اليها أطراف الاتفاق بعين الحقّ وبما تمليه بنود الاتفاق النووي.
دخلت المفاوضات النووية في نفق مظلم عندما كان الجانب الغربي يعتزم عدم التنازل حتى امام حق إيران في تقرير المصير من خلال الحصول على تنازلات خارج نطاق خطة العمل المشتركة.
في الواقع، إن عودة قطار التفاوض إلى مساره الصحيح يعتمد فقط على إرادة الغرب، ذلك لأن إيران صبت كامل طاقاتها على طاولة المفاوضات بتقديم مقترحات دقيقة وقانونية وقائمة على الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الاتفاق النووي، بهدف تعبيد الطريق نحو اتفاق عادل سريع ودائم.