انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أحادياً في 8 مايو 2018 في خطوة اعتُبرت على المستوى الدولي عملاً غيرقانوني وواجهت الإدانة. هناك إجماع دولي على أن مثل هذه الممارسات الأمريكية غير القانونية تمثّل تجاهلاً مطلقاً للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وهي عمل باتجاه تقويض التعددية وتهديد كبير على السلام والأمن الدوليين.
رغم مجيء إدارة أمريكية جديدة، لم تزل كافة اجراءات الحظر غير القانونية والأحادية قائمة، بل وتستمر سياسة ممارسة العقوبات ضد إيران. إنه من الواضح أن هذه الممارسات الأمريكية تهدف إلى حرمان إيران وباقي أطراف الاتفاق النووي والمجتمع الدولي من الحقوق والامتيازات المصرح بها في الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231. أما الدول الأوروبية الثلاث الأطراف في الاتفاق النووي، ورغم أنها اعتبرت التوجه الأمريكي غير قانونياً وغير مقبولاً، فقد واكبت هذا التوجه والتزمت به من خلال صمتها وانفعالها. الممارسات الأمريكية التخريبية ومواكبة الدول الأوروبية الثلاث معها أفقدت الاتفاق النووي فاعليته وقضت على كامل مزايا الاتفاق الاقتصادية بالنسبة لإيران. هذه هي الحقائق المرة التي شهدتها السنوات الماضية والتي ينبغي أن تكون مصباحاً ينير طريق المستقبل.
استمرار الإدراة الأمريكية الحالية السير على نهج إدارة ترامب التخريبي، يثير تساؤلاً جدياً عما إذا كانت الإدراة الأمريكية تمتلك فعلاً إرادة لتنفيذ التزاماتها وهل هي على استعداد للتخلي عن سياساتها الفاشلة الماضية؟ لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة بالنظر للتوجه والممارسات التي تبنتها الولايات المتحدة على مدار الأشهر الماضية.
لا أحد بمقدوره التشكيك في جدية إيران وحسن نواياها في الالتزام الكامل بتعهداتها. بعد الانسحاب الأمريكي غير القانوني من الاتفاق وفرضها العقوبات، كفّت إيران بحسن النية عن القيام بالخطوات التعويضية. وإذ أخذت في الاعتبار مطلب الأطراف الباقية في الاتفاق والاتحاد الأوروبي بصفته منسق الاتفاق النووي، لم تلجأ إلى وقف العمل بالتزاماتها وفق الاتفاق النووي، لإتاحة فرصة لكي تقوم باقي أطراف الاتفاق بما يعوّض عن التبعات السلبية لانسحاب الولايات المتحدة منه. مع ذلك، وبالنظر إلى استمرار هذه الظروف غير البناءة، وبعد عام من الصبر الإستراتيجي، وفي ظل تشديد العقوبات الأمريكية، وكذلك عدم وفاء الدول الأوروبية الثلاث بالتزاماتها، لم تجد إيران خياراً سوى الاستفادة من حقوقها المنصوص عليها في البندين 26 و36 من الاتفاق النووي، فبادرت بتعليق جزء من التزاماتها بشكل مرحلي بدءاً من 8 مايو 2019.
جراء عدم التحول في الوضع القائم، وانعدام خطوات فاعلة من قبل الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، ومع الأخذ بعين الاعتبار التجربة المؤسفة التي حصلت، صادق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني على قانون "خطة العمل الإستراتيجي لإلغاء العقوبات وحماية مصالح الشعب الإيراني" في 2 ديسمبر 2020. وقد ألزم هذا القانون الحكومة على وقف تنفيذ كل التدابير الطوعية الإيرانية على النحو المنصوص عليه في الاتفاق النووي تدريجياً في حال استمرار انتهاك أعضاء الاتفاق التزاماتها، إلا أن تعود باقي أعضاء الاتفاق لتنفيذ التزاماتها الكاملة عملياً".
رغم كل حالات نكث العهد التي أبداها الغرب في الاتفاق النووي، إيران مستعدة مرة أخرى - ولإظهار نواياها الحسنة وبغية تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إلغاء العقوبات الأحادية وغير القانونية – لإجراء مفاوضات موجهة نحو تحقيق نتائج فعلية والتوصل إلى "اتفاق جيد" مع 4+1.
تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ "حسن النية" والعزيمة الحقيقية في هذا الطريق ولديها الإرادة المطلوبة للتوصل إلى اتفاق جيد في فيينا.
في إطار هذه العملية، لا يجب نسيان أن الولايات المتحدة هي السبب الرئيس وراء خلق الوضع الراهن. خلال السنوات الأربع الماضية، لم يتوان البيت الأبيض من أي مسعى لتدمير الاتفاق النووي وكانت إيران هي من بذلت قصارى جهودها لإبقاء الاتفاق النووي حياً. إن ما تبين جلياً لإيران خلال الجولات الست السابقة من المفاوضات هو أن الولايات المتحدة لا تزال تفتقر لوعي صحيح بحقيقة أنه لا سبيل لاستعادة الاتفاق النووي بدون إلغاء كل العقوبات التي فرضتها على الشعب الإيراني بعد انسحابها من الاتفاق النووي.
يهيب قرار مجلس الأمن رقم 2231 بجميع الدول الأعضاء إلى "إتخاذ كل الإجراءات المناسبة لدعم تنفيذ خطة العمل، بوسائل منها اتخاذ إجراءات تتّسق مع مخطط التنفيذ المبين في خطة العمل وهذا القرار والامتناع عن إتيان أعمال تعيق الوفاء بالالتزامات المنبثقة عن خطة العمل".
ينبغي أن تكون الغاية الرئيسة للمفاوضات المقبلة هي التفيذ الكامل والفعال للاتفاق النووي بغية إرساء علاقات تجارية طبيعية وتعاون مستدام مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن البديهي أن العودة للاتفاق النووي، يتطلب انتفاع إيران من إلغاء العقوبات بشكل نهائي. إن إيران على استعداد لوقف خطواتها التعويضية، في حال الحصول على الضمان وبحث الخسائر وإلغاء العقوبات بشكل مؤثر وقابل للتحقق.
لن تكون عودة الولايات المتحدة المحتملة للاتفاق النووي محط اهتمامنا إلا في حال تقديم ضمانات بشأن عدم تكرار التجارب المريرة السابقة وإمكانية قيام شركاء إيران الاقتصاديين بالتبادلات الاقتصادية المستدامة معها باطمئنان ودون مخاوف.
إن الواضح في ما يتعلق بالمحادثات المقبلة هو أن إيران ستخوضها بحسن النية للتوصل إلى اتفاق جيد؛ لكنها لن ترضخ للمطالب التي تتجاوز الاتفاق النووي ولن تبحث أي قضية خارج إطار هذا الاتفاق.
أود أن أجدد التأكيد على أن نافذة هذه الفرصة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد ويجب أن تعي الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث هذه الحقيقة جيداً. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية – وإلى جانب جهودها الدبلوماسية الحازمة والقوية والفعالة لإلغاء العقوبات الأمريكية الجائرة - تمتلك برنامجاً مؤثراً لإبطال مفعول العقوبات في إطار خطة التنمية المستدامة الاقتصادية للبلاد.
لا شك في أن طهران تلتزم بحماية إنجازات علمائها وصناعتها النووية السلمية وصونها، بقدر التزامها بعدم انحراف برنامجها النووي السلمي. فهي لم تتوقف عن العمل على تطوير البلاد بشكل شامل في جميع مجالات الصناعة والتجارة والملاحة البحرية والفضاء والدفاع والعلم والتكنولوجيا والنمو الاقتصادي المطرد وغيرها رغم تعرضها لعقوبات غير قانونية وغير إنسانية.
إننا نعتقد أنه في حال وجود إرادة سياسية لدى الأطراف الأخرى بشكل فعلي، فالاتفاق ممكن وفي متناول اليد.
رغم نكث الغرب عهوده وعدم الثقة في توجه البيت الأبيض وسياساته غير البناءة، ستسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ "إرادة حقيقية" و"نوايا حسنة" إلى التوصل لـ "اتفاق جيد" ومستدام وقابل للتحقق حول إلغاء العقوبات خلال الجولة الجديدة من مفاوضات فيينا.
يحضر فريق تفاوض الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فيينا وعلى طاولة المفاوضات بشكل فعال متزوداً بحسن النية والجدية ومنطق تفاوضي يعتمد على حماية مصالح الشعب الإيراني وحقوقه.
كذلك، أنا وزملائي مستمرون في توفير الدعم الكامل لفريض التفاوض وكبير مفاوضينا، الدكتور باقري، الذي يمتلك خبرة عالية في مفاوضات من هذا النوع. وسأقوم بالمزيد من المشاورات مع نظرائي اذا اقتضى الأمر.
بقلم: *حسين أمير عبد اللهيان/وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية