وتصنف بريطانيا الجناح العسكري لحركة "حماس" منظمة "إرهابية"، لكن الخطوة الجديدة ستشمل أيضًا الجناح السياسي للحركة، وقد أكدت الوزيرة البريطانية النبأ في كلمة ألقتها في مؤتمر حول الأمن ومكافحة الإرهاب في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وهنا نحن نرى أن الخطوة ترتبط بملفات متعددة، أولها يتعلق بالداخل البريطاني، وثانيها يتعلق بالدور البريطاني في النظام العالمي الجديد، وثالثها يتعلق بترتيبات إقليمية بالمشاركة مع العدو الإسرائيلي ودول خليجية. ويمكن توضيح ذلك بشكل موجز على النحو التالي:
أولًا - الارتباط بالداخل البريطاني
يبدو أن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة جونسون لا تنفصل عن الصراع بين حزب جونسون وبين حزب العمال البريطاني، حيث طالب حزب العمال في موقف وصفه المراقبون بـ"المهم والتاريخي"، بفرض عقوبات على "إسرائيل" ودعا للاعتراف الفوري بدولة فلسطين حال تشكيله حكومة.
ويبدو أن جونسون الذي يعود لأصول يهودية تنسب الى جده لأمه إلياس أفيري لوي، قد وجد هذا الملف ساحة من ساحات التنافس الداخلي، وبالتالي فقد زايد على موقف حزب العمال.
ويشير هذا الاحتمال الى سوابق انتخابية لهذا التوجه، ففي عام 2014، كان جونسون قد وصف الهجوم الإسرائيلى على حماس في غزة بأنه "غير متناسب وقبيح ومأساوي"، مضيفًا إنه "لن يفيد "إسرائيل" على المدى البعيد"، ثم سرعان ما حاول موازنة تلك التصريحات فى الفترة السابقة للانتخابات في حزب المحافظين، حيث شهد الحزب وقتها زيادة في الدعم من قبل اليهود الذين تركوا حزب العمال بسبب "معاداة السامية"، ووصف جونسون نفسه بأنه "صهيوني عاطفي" ويحب "الدولة العظيمة إسرائيل"، وقال في مقابلة مع صحيفة "يهود نيوز": "من غير المقبول على الإطلاق أن يواجه "المدنيون" الإسرائيليون الأبرياء خطر إطلاق الصواريخ والقصف من غزة"، وفقًا لقوله وهو يستعد للانتخابات!
ثانيًا - الدور البريطاني في النظام العالمي الجديد
رصد تقرير للاندبندنت إعلان حكومة بوريس جونسون المراجعة المتكاملة للسياسات الدفاعية والأمنية والخارجية بشكل يجعل بريطانيا تساعد في تشكيل نظام عالمي جديد وتترك وراءها نظامًا دوليًا "قديمًا" لم يعد يخدم مصالح البلاد، بالإضافة إلى وضع خطط تركز على الحرب الإلكترونية في الدفاع، ومبادرات جديدة لمكافحة الإرهاب. وقال التقرير إن المراجعة ستحدد كيف ستسعى بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى بناء تحالفات استراتيجية وتجارية بعيدًا عن أوروبا، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومن المعلوم أن السياسة الخارجية البريطانية تطورت بعد عام 1945 في سياق استراتيجي من التدهور الإمبريالي والاقتصادي التقدمي، والتحركات القارية نحو تكامل أوروبا، والعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وأهم ما ميزها هو رغبة الحكومات البريطانية في إقامة علاقات أوثق مع الولايات المتحدة كوسيلة للتعويض عن تراجع بريطانيا كقوة عظمى مستقلة.
وحاليًا تعالت الأصوات في بريطانيا لتنادي بمقاربة تفيد بأن "ترك الاتحاد الأوروبي لا يعني أن المملكة المتحدة ستكمل من حيث توقفت في عام 1973؛ بل إنها تجد نفسها في بيئة تشتتت فيها القوة العالمية وستعتمد مكانة المملكة المتحدة في المستقبل بشكل أكبر على مساهماتها في الحلول العالمية، بدلاً من الاعتماد على أمجاد الماضي".
وهنا ما نفهمه أن بريطانيا تسعى لخلق شراكات تعيد لها المكانة العالمية وفي نفس الوقت لا تستطيع الفكاك من تحالفها مع الولايات المتحدة، والمرجح هو السير في طريق خطط وتحالفات أمريكا مع إبراز الذات ومحاولة تغيير صورة التابع، الى صورة فيها المزيد من الاستقلالية.
ثالثًا - الترتيبات الإقليمية المتوقعة
لا تنفصل شراكات بريطانيا الاقتصادية عن شراكاتها الأمنية والعسكرية، فقد تزامنت خطوات اقتراب بريطانيا من إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كل من أستراليا ونيوزيلندا، والانضمام إلى التكتل التجاري لـ"اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ"، مع قرار أستراليا عقد شراكة جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاقتناء غواصات تعمل بالدفع النووي، وإلغاء صفقة ضخمة أبرمتها في 2016 مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية، في أزمة حدثت مع فرنسا وتسببت في توتر العلاقات الفرنسية مع امريكا وبريطانيا.
والشاهد هنا هو مراقبة الشراكات البريطانية المزمعة، لأنها تشكل شراكات عسكرية مرتقبة.
ومؤخرًا، أعلن مستشار الأمن القومي البريطاني ستيفن لافغروف أمام "حوار المنامة 2021" في البحرين، أن بريطانيا ملتزمة بالعمل "لضمان حرية الملاحة في الخليج الفارسي"، مضيفًا إن "بعض الممارسات في مضيق هرمز تهدد حركة الملاحة الدولية". وعلى مستوى العلاقة مع العدو الصهيوني، رصد الكاتب أريئيل كهانا في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "مستوى العلاقات التجارية بين الجانبين قطع أشواطًا قياسية إلى أن تم حظر حزب الله بقانون بريطاني، ووصلت العلاقات حد التنسيق الكامل بين "تل أبيب" ولندن لمواجهة العدو المشترك للشعب اليهودي".
ومؤخرًا، وضعت بريطانيا تعزيز علاقاتها التجارية مع دول مجلس التعاون ضمن الأولويات بعد الخروج الفعلي من الاتحاد الأوروبي متكئة على حجم تجارة مع دول المجلس بنحو 61 مليار دولار. وفي 8 أكتوبر الماضي بدأت المملكة المتحدة عملية التفاوض لتوقيع اتفاقية تجارة مع السعودية وعدد من دول الخليج الفارسي الأخرى، وذلك في ظل سعي لندن إلى إقامة علاقات اقتصادية أعمق بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
والسؤال المشروع هنا هو هل هناك اتفاقية أمنية مع "اسرائيل" والخليج الفارسي تتزامن مع النهج البريطاني بربط الاقتصاد بالأمن، ووفقًا لدور بريطانيا الذي ترغبه في النظام العالمي قيد التشكيل، مضافًا إليه الصراع الحزبي البريطاني الداخلي؟