نورنيوز- أُعلن يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني موعدا لإستئناف المفاوضات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ومجموعة 4 + 1، في إطار جولة جديدة من المفاوضات ستلسّط الضوء على رفع العقوبات والتزام الأطراف الغربية بالاتفاق النووي.
إلاّ أن الأمريكيين والأوروبيين دشّنوا، في الأيام الأخيرة، موجة تصعيد ضد إيران والمحادثات المقبلة، تكثّفت هذه الموجة خلال الزيارة الإقليمية الاخيرة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران (روبرت مالي) ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى غرب آسيا.
حيث أصدر روبرت مالي، عقب اجتماعه متعدد الأطراف في الرياض، يوم الخميس المنصرم، بيانا مشتركا اتهم فيه إيران بممارسة أنشطة تزعزع الاستقرار في المنطقة، أعقبها إصدار جملة من البيانات المشتركة مع المساعدين السياسيين لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وممثلي دول مجلس التعاون، زعموا فيها أن أعضاء مجلس التعاون اتخذوا خطوات نحو تهدئة التوترات وتعزيز الدبلوماسية في المنطقة!
وعقب الاجتماع غرّد مالي على تويتر: لقد تحدثت مع القادة السياسيين لثلاث دول أوروبية وكبار المسؤولين في مصر والأردن وأعضاء مجلس التعاون لبحث مسارين أمام إيران لا ثالث لهما؛ إما ان تستمر التوترات وتتفاقم الأزمة النووية أو يعود كلا الطرفين (ايران وامريكا) الى الاتفاق، ويتم على إثر ذلك تعبيد الطريق لعلاقات إقليمية واقتصادية ودبلوماسية بنّاءة، وختم مالي تغريدته بالقول: مهلة الاختيار امام ايران قصيرة.
عقب ذلك، وفي إطار الحملة الغربية لتكثيف الضغط على ايران على اعتاب جولة وشيكة للمفاوضات، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 5 أفراد ومؤسسة في ايران بحجة "محاولة التأثير" على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020!
لم تتوقف الحملة الغربية الهائجة عند ذلك الحدّ، ففي الوقت الذي أصدر فيه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، مرة أخرى تقريرًا متحيزًا بشأن الأنشطة النووية الإيرانية، زعمت وكالة رويترز أن الدبلوماسيين الغربيين قالوا إن الهدف المعلن لواشنطن في جولة المباحثات المقبلة في فيينا هو التحقّق من إمكانية إحياء الاتفاق النووي، لكن هدف واشنطن غير المعلن قد يكون استجرار دعم روسيا والصين للضغط على إيران في حال فشلت المفاوضات.
تثير هذه التحركات المكثّفة، والتي باتت مألوفة بالطبع بالنظر إلى تاريخ الغرب المشبوه، العديد من علامات الاستفهام حول "هدف أوروبا والولايات المتحدة" من حملة التصعيد هذه ضد ايران عشية جولة جديدة من المفاوضات؟
للإجابة على هذه التساؤلات لابد من استحضار بعض النقاط الهامة:
أولا: تيّقناً منه لموقف الحكومة الايرانية الجديدة، أدرك الغرب أن إيران ليست على استعداد للتراجع عن حقها في رفع جميع العقوبات، وأن دولًا مثل الصين وروسيا أصرت على شرعية مطلب إيران هذا في المفاوضات المقبلة، لهذا السبب ولغيره سارع الغرب لخلط الأوراق من خلال تشكيل تحالف يضم كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث ومجلس التعاون والمُحرّك الاكبر لهذه الحملة الكيان الصهيوني، بهدف إيهام المجتمع الدولي بوجود إجماع عالمي بشأن برنامج ايران النووي، على أمل أن ينجم عنه إرغام ايران على التخلي عن موقفها المبدئي المتمثّل برفع كافة العقوبات والتحقّق من ذلك.
الجدير بالذكر فيما ذكر سلفا، هو أن الإجماع الذي يتحدث عنه الأمريكيون يشمل ما مجموعه ثلاث دول أوروبية، وبعض أعضاء مجلس التعاون، علاوة على الكيان الصهيوني، وهو بالتأكيد لا يُعتبر إجماعًا عالميًا يجسّد موقف أكثر من 200 دولة، معظمها ممن تؤكّد شرعية الموقف الايراني.
ثانياً: يواجه أعضاء هذا التحالف أزمات داخلية وإقليمية حادة، ويسعون من خلال المشاركة في الحملة المناهضة لإيران إلى صرف الرأي العام المحلي عن الفضائح التي عصفت بهم.
فبينما تواجه أمريكا أزمة تراجع حاد في شعبية بايدن المُهتزة، يواجه الأوروبيون، إلى جانب الأزمة الاقتصادية وكورونا، فضيحة قمع وقتل لطالبي اللجوء على الحدود البولندية- البيلاروسية.
في حين أن الدول العربية المنسجمة مع الموقف الغربي، من قبيل الامارات والسعودية، هي الاخرى غارقة في العديد من الازمات بالمنطقة، فبين المستنقع اليمني ودوامة التطبيع التي قوضت هيبتها وسرعت في زوال الكيان الصهيوني، لا تنفك تبحث عن مخرج من مأزقها الوجودي.
ثالثا: أضف الى ذلك، أن السلوك الامريكي السخيف مؤخراً، الذي فرضت على إثره وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 5 أفراد ومؤسسة في ايران بحجة "محاولة التأثير" على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، وإصدار بيان مشترك مع ثلاث دول أوروبية وبعض الدول العربية ضد ايران، يشي بعجزهم الكبير على تنفيذ سياسة العقوبات والتهديدات ضد طهران.
بناءا على ماسبق، ليس امام الغرب سوى خيار واحد لا أكثر ولا أقل، وهو إنهاء السلوك غير المبدئي والهدّام والالتزام الحقيقي برفع جميع العقوبات وقبول حقيقة دور إيران الراسخ في المعادلات الإقليمية والنظام العالمي متعدد الأطراف.