ولتحقّق القمّة الأهداف التی تُنشدها تحتاج الى أمرین لایمکن فصلهما عن بعض من وجهة نظر کل المراقبین، هما - الاستثمار والامن الاقلیمی.
من المعروف أن المال بعید المنال بشکل أساسی ویسمى بالبحث عن الأمن، لذلک بغض النظر عن التجارة السوداء والاستثمارات القائمة على التوتر مثل مبیعات الأسلحة، فإن ما یضمن الاستثمار المستمر والبنیة التحتیة فی تنمیة الدولة هو أمن المال والمستثمرین.
تنطبق هذه القاعدة على العراق وکذلک على أی دولة أخرى ، على الرغم من اختلاف نوع الجهات الفاعلة فی مسرح انعدام الأمن أو استقراره.
کانت الکلمة الأخیرة للعراقیین فی القمة هی استبدال التوترات بالمصالح المشترکة والاستثمارات، کما تدعم إیران هذه الفکرة الرائعة.
ما تم التأکید علیه فی تصریحات حسین أمیر عبد اللهیان فی قمة الدعم الإقلیمی للعراق کان فی الواقع ، هو اجتثاث أسباب انعدام الأمن وبسط الاستقرار الامنی فی العراق، کونه ضرورة حیویة وشرطا أساسیا للتنمیة والاستثمار.
لا یمکن تحقیق الامن الا من خلال الثقة المتبادلة بین دول المنطقة کانت هذه العبارة المحور الرئیسی لخطاب وزیر خارجیة جمهوریة إیران الإسلامیة فی قمة بغداد.
فی الواقع ، یشیر مصطلح "الثقة المتبادلة" إلى الحاجة إلى الحوار داخل المنطقة دون تدخل خارجی، تماما کما کان انعدام الأمن فی المنطقة نتیجة للتدخل الأجنبی إلى حد کبیر فی العقود الأخیرة.
وتترکز إشارة أمیر عبد اللهیان على وجهة النظر المتمثلة بتجربة دعم الإرهاب والاحتلال کما هو الحال على الجانب الآخر من هذه العملة، فإن الأمن والاستثمار هما توأمان متطابقان مع بعضهما البعض ومتساویان.
لهذا السبب ، بالنسبة للعدید من المراقبین، کان خطاب أمیر عبد اللهیان باللغة العربیة محاولة للتعبیر بشکل مباشر، دون وسطاء، ودقة المفاهیم التی یجب على أساسها شرح الأمن الإقلیمی.
وقال أمیر عبد اللهیان: "ظهور داعش کان من أهم الأخطار التی تعرضت لها المنطقة وخلف أضرارا لا یمکن إصلاحها". للاسف ، عانى العراق الکثیر من ظهور الجماعات الإرهابیة، ولولا إرادة الشعب العراقی وتأیید المرجعیة العلیا وتلاحم الشعب العراقی بجمیع طبقاته المختلفة لما کان واضحا ما سیحدث للعراق ولدول المنطقة ومدى عمق ما ستتعرض له المنطقة والعالم من خطر التهدیدات الإرهابیة، وهرعت جمهوریة إیران الإسلامیة لمساعدة العراق الشقیق والصدیق فی محاربة الإرهاب ولم تبخل بتقدیم أی مساعدة فی هذا الاتجاه، لقد ضحى الشعب العراقی والأحزاب والجماعات المختلفة والحکومة العراقیة بآلاف الأرواح من أجل الاستقلال ومکافحة الإرهاب، لکن الحکومة الأمریکیة ارتکبت جریمة کبرى بحق اثنین من ابرز المقاتلین ضد الجبهة التکفیریة الارهابیة، هما - الشهید الجنرال سلیمانی والشهید أبو مهندی المهندس - لم یقتصر الأمر على أن الامریکان لم یجلبوا السلام والأمن لشعوب هذه المنطقة، بل هم السبب الرئیسی لانعدام الأمن ، وهذا الامر واضح لدى العدید من دول المنطقة.
نستنتج من هذه التصریحات والرسالة المرسلة من على منبر قمة بغداد للجمهور والمراقبین الدولیین هی أن أمن العراق یقوم على حشد الشعب ودعم المرجعیة العلیا وهما (العاملان اللذان یصنعان أمن العراق) ضد الاحتلال الأمریکی وداعش الإرهابی، (السببان لانعدام الأمن فی العراق) ، والمثیر للاهتمام أن علاقة الاحتلال بالإرهاب هی التی أدت إلى اغتیال واستشهاد القوات الأمنیة لصالح المستفیدین من انعدام الأمن فی هذا البلد.
ربما بالنسبة للکثیرین، حقیقة أن الولایات المتحدة اغتالت المقاتلین الحقیقیین ضد الإرهاب (الشهیدین الحاج قاسم سلیمانی وأبو مهدی المهندس) کانت غیر قابلة للهضم، فکان یُفترض أن الولایات المتحدة جاءت إلى العراق لقمع داعش، لکن التجربة أظهرت أن الأمر لیس کذلک وأن العکس هو الصحیح.
لا تزال هناک تقاریر عدیدة عن عملیات فی العراق، لا سیما فی محافظتی صلاح الدین ودیالى، تشیر إلى نقل عناصر داعش الإرهابیة بواسطة مروحیات أمیرکیة وتجهیز هذه المجموعات لنقلها إلى جبهات جدیدة والذی یفترض أن یکمل لغز انعدام الأمن وتبریر الضرورة الخارجیة.
هذه لیست حقیقة معقدة، یکفی أن ننظر إلى التدخل الأمریکی فی أفغانستان والعراق، ما مقدار الأمن الذی تم تحقیقه فی أفغانستان بعد 20 عاما من الاحتلال، وإلى أی مدى تم تسهیل عملیة التنمیة التی تتطلب الأمن من قبل المحتلین؟ ماذا عن العراق؟ إلى أی مدى رفعت المطالبة بالأمن عن طریق التدخل الأجنبی مؤشر الأمن وبالتالی التنمیة؟
فی إحدى الحالات، کانت شرکة جنرال إلکتریک فی العراق منذ 18 عاما، لکنها لم تتخذ خطوة نحو تطویر الکهرباء فحسب، بل إنها أعاقت منافسیها، وقد تم تسجیل وثائق هذا التخریب الأمریکی لتطویر العراق فی وسائل الإعلام وتصریحات المسؤولین من هذا البلد فی فترات مختلفة.
ویمکن القول بثقة إن الخطاب التفسیری والمرضی الوحید فی قمة بغداد حول الآفات الرئیسیة للأمن والاستثمار، مع التأکید على إنکار التدخل الأجنبی ، سمع بوضوح من وزیر خارجیة جمهوریة إیران الإسلامیة.
فی غضون ذلک ، تحدث الرئیس المصری عبد الفتاح السیسی عن رفضه للعدوان الأجنبی على العراق، والذی یعتقد مراقبون أنه موجه ضد ترکیا وهجماتها على شمال العراق، ولا یخفى على أحد أن السیاسة الخارجیة لمصر وترکیا کانت نموذجا لتجمع التناقضات فی قمة بغداد.
انتقد البعض خطاب أمیر عبد اللهیان، لماذا بالعربیة؟ الحقیقة أن وزیر الخارجیة الإیرانی لم یکن بحاجة لإظهار طلاقته فی اللغة العربیة ، لکن النقطة المهمة تکمن فی المحتوى الحساس لتصریحاته، لم یرد مسؤول السیاسة الخارجیة الإیرانیة أن یساء فهم البیانات الحساسة حول حاجة دول المنطقة إلى الاعتماد على الأمن الإقلیمی بدلا من الأمن الخارجی أو تفسیرها بشکل خاطئ فی عملیة الترجمة، لذلک کان إلقاء الخطاب باللغة العربیة تأکیدا على الحساسیة فی إیصال الرسالة على أکمل وجه.
وقال وزیر الخارجیة العراقی فؤاد حسین فی ختام قمة بغداد إن هناک المزید من الاجتماعات المتسلسلة الجاریة وإن القمتین الثانیة والثالثة ستعقدان فی بغداد، إذا کان الأمر کذلک، فإن العقلانیة تتطلب إنفاق الوقت والمال على عقد مثل هذه الاجتماعات من خلال توفیر المتطلبات الأساسیة اللازمة.
الحقیقة هی أن مثل هذه الاجتماعات لا یمکن أن تکون ناجحة إلا إذا أزیلت العقبات الرئیسیة من امام أهدافها، إذا کانت تنمیة العراق تقوم على أساس الأمن ، وهو الأمر المنطقی ، فما معنى التدخل الأجنبی للأجانب والمحتلین مع الضغوط مثل الإرهاب ، العقبة الأولى والثانیة هی التنمیة الإقلیمیة، 18 عاما من الاحتلال فی العراق کانت کافیة لتطویر أو على الأقل بناء البنیة التحتیة ، إذا کانت هناک مثل هذه الإرادة فی الدول المتدخلة، 20 عاما من الاحتلال فی أفغانستان أیضا معبرة تماما.