ففي الوقت الذي تُثقل فيه أزمة كورونا وتبعات تكتّم الحكومة على ضحايا الفيروس كاهل المواطنين في هذا البلد المُنهك، تواصل سلطات بريطانيا سياسة "التخفّي خلف إصبعها" رافضةً الاعتذار عن التكتّم "غير المبرر" على ضحايا الوباء، ما أفضى في الأيام الأخيرة الى اندلاع موجة من الاحتجاجات الشعبية قوبلت بقمع وعنف غير مسبوق من قبل الشرطة.
نزل المتظاهرون الى الشوارع احتجاجاً على مشروع قانون يمنح الشرطة سلطات لتقييد المظاهرات السلمية في مدينة بريستول جنوب البلاد، وقوبل الانتفاض الشعبي بتدخل عنيف من قبل الشرطة، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف.
بموجب القانون الجديد، سيكون للشرطة سلطة قمع أي اعتراض على سياسات الحكومة. واعتبرت المؤسسات المدافعة عن حرية التعبير وحقوق الإنسان هذا القانون شرطا مسبقا لتفاقم القهر وانتهاك صارخ لقوانين حقوق الإنسان.
وهنا يستوجب تسليط الضوء على بعض النقاط البارزة حول منح الشرطة البريطانية المزيد من صلاحيات القمع:
اولاً؛ انتشرت مؤخرا تقارير ومقاطع فيديو عن مقتل امرأة تبلغ من العمر 31 عاما على يد الشرطة البريطانية، مما أثار احتجاجات واسعة من قبل المواطنين، في حين أن الحكومة البريطانية، بدلاً من مواجهة هذا العنف المنهجي للجهاز الأمني، أصرّت على إصدار قانون للشرطة يمنحها مزيداً من صلاحيات القمع، ما قد يؤدي بدوره الى تفاقم هذا النهج.
ومن الجدير بالذكر؛ أن جماعات حقوق الإنسان حذّرت مرارا وتكرارا من الحالة المؤسفة للسجون البريطانية، وارتفاع معدل الانتحار في هذه السجون، والسلوك العنيف للشرطة.
تشير التقارير أيضا إلى تورط ضباط شرطة بريطانيين رفيعي المستوى في الاتجار بالبشر، وفي السنوات الأخيرة كذلك، وعلى خلفية احتدام موجة تدفق اللاجئين من البلدان التي مزقتها الحروب في غرب آسيا وأفريقيا، أقدمت الشرطة البريطانية على معاملة المهاجرين الى أراضيها بأبشع طرق العنف والاضطهاد والتمييز.
ثانياً؛ وزيرة الداخلية البريطانية (بريتي باتيل) ندّدت باحتجاجات بريستول ووصفت المشاركين بـ "البلطجية" الذين "يبحثون عن المتاعب"! من ناحية أخرى، كتب رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" على حسابه على تويتر: "شاهدت هجمات مخزية على ضباط شرطة في بريستول، "الشرطة ومدينة بريستول لديهما كامل دعمي".
جاءت هذه المواقف من قبل كبار المسؤولين في بريطانيا، في وقت وقفوا فيه موقف المتفرّج من القمع الذي تعرّض له المحتجين من قبل الشرطة في بريستول، واعتمدوا سياسة صمّ الآذان وغلق الاعين تجاه مقتل فتاة شابة على يد ضابط شرطة اتّهم باغتصابها، إضافة إلى تجاهل الهجمات المباشرة وحملات القمع الامنية التي تعرّض لها المدافعين عن البيئة، علاوة على قمع تظاهرات المواطنين الغاضبين من سوء إدارة الحكومة لأزمة كورونا.
بناءا على ذلك، يمكن القول إن الحكومة البريطانية دعمت رسمياً تصعيد القمع البوليسي ضد شعبها، الأمر الذي رفع النقاب عن الحجم الهائل للقمع المنهجي المتجذّر في الهيكل الأمني لهذا البلد، وكشف زيف إيماءاتها الإنسانية ضد دول أخرى.
من الجدير بالذكر، أن الحكومة البريطانية تعدّ أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة التي تستخدمها الحكومات القمعية في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمكن رؤيته في بيع السلاح والتعاون الأمني والعسكري البريطاني مع الكيان الصهيوني والنظام السعودي والإمارات والبحرين وميانمار.
ثالثاً؛ التزمت وسائل الإعلام البريطانية ، على رأسها الـ "بي بي سي"، التي تدعي أيصال صوت حقوق الإنسان، الصمت تجاه عنف الشرطة البريطانية، بل وأيدت دعم السلطات القمعية المتزايدة للشرطة البريطانية وقمع المتظاهرين، وافترأت على المتظاهرين ووصفتهم بمثيري الشغب ووصت حراكهم ضد السلطات بأعمال الشغب، كما هو الحال في الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخراً على مقتل امرأة تبلغ من العمر 31 عاما على يد الشرطة، وانتقت من "الواقع" ما يخدم هدفها المتمثّل بالتستّر على جرائم الشرطة والتصرفات الجائرة لمسؤولي الحكومة البريطانية.
يعكس سلوك وسائل الإعلام البريطانية في مواجهة القمع الذي يتعرّض له المواطنين، مهمتها السياسية المتمثلة في تقديم مطالبات انتقائية لحقوق الإنسان ضد دول أخرى في إطار المصالح والأهداف السياسية للحكومة البريطانية.
لقد أظهرت هذه الوسائل الإعلامية المتلوّنة، مرارًا وتكرارًا أنها لا تقدّر حياة مواطنيها، وأن ادعاءاتها بالعمل على ايصال الحقيقة وحماية حقوق الإنسان هي مجرد خداع لا ينفع أحدا يعيش على هذه المعمورة، وكشف حقيقة إخفائها حالة حقوق الإنسان الحرجة في بريطانيا، وكونها أداة في السياسة الاستعمارية والهيمنة البريطانية على المسرح العالمي.
خير دليل على كل الحجج التي طرحناها في تحليلنا الذي وضعناه بين أيديكم، هو مدى استشراء العنصرية والتمييز في الجهاز الحاكم لبريطانيا، فهو متفشّ في المراتب العليا من البلاد إلى أجزاء أخرى منها، وما تصريحات ميغان ماركل (عروسة الملكة البريطانية وعقيلة حفيدها) إلاّ إثبات حيّ على ما ذكرناه آنفاً، وهو ما يعكس حقيقة أنه يجب أن تتعرّض بريطانيا عوضاً عن السماح لها بالتستّر خلف رداء المدافع عن حقوق الانسان، للمساءلة من قبل المجتمع الدولي باعتبارها من أكثر الدول انتهاكاً لحقوق الانسان.