نورنيوز - وصل الاقتصاد البريطاني إلى مرحلة لم يعد بإمكان حتى وسائل الإعلام المرتبطة بالسلطة إنكارها. تقارير بي بي سي، التي لعبت لسنوات دور الدرع الإعلامي للحكومات، أصبحت مضطرة الآن إلى سرد روايات عن الفقر الصريح؛ روايات عائلات تتخلى عن وجبات الطعام لإطعام أطفالها، أو تعتمد على بنوك الطعام. تظهر الإحصاءات الرسمية أن 14.2 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر بعد دفع تكاليف السكن، وأن حوالي 4.5 مليون طفل (أي 31% من أطفال البلاد) يعيشون في أسر ذات دخل منخفض حتى أبريل 2024. وقد تسارعت هذه الظاهرة منذ عام 2021، وتتوقع مؤسسات بحثية أن يصل عدد الأطفال الفقراء إلى 4.8 مليون بحلول نهاية ولاية حكومة حزب العمال الحالية. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني أكثر من 2.7 مليون أسرة من الفقر في الطاقة؛ وهي حالة تؤكد أن الأزمة ليست استثنائية، بل بنيوية وشاملة.
الركود، التضخم، ومأزق السياسات
على المستوى الكلي، تظهر بوضوح علامات الركود الاقتصادي. أعلنت هيئة الإحصاء الوطنية البريطانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% لشهرين متتاليين؛ ما يدل على استمرار النمو السلبي. في الوقت نفسه، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وانخفض نمو الأجور، وبلغ معدل البطالة حوالي 5.1%. يتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون معدلات التضخم في بريطانيا خلال عامي 2025 و2026 الأعلى بين دول مجموعة السبع. هذه البيانات تظهر أن سياسات الحكومات ما بعد البريكست، سواء كانت محافظة أو عمالية، فشلت في رسم مسار واضح للخروج من الأزمة، بل إن الهمسات داخل حزب العمال حول تجاوز رئيس الوزراء الحالي تعكس هذا المأزق.
الانقسام الاجتماعي وأزمة شرعية النظام الملكي
مع الضغط المتزايد على معيشة الناس، تحولت التكاليف الباهظة للعائلة المالكة إلى رمز للظلم البنيوي. يُنفق سنوياً أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني على المؤسسة الملكية؛ رقم يثير الغضب الاجتماعي إلى جانب تقارير الفساد المالي والأخلاقي. تُظهر استطلاعات الرأي أن حوالي 70% من الشباب البريطاني يريدون إنهاء الملكية والانتقال إلى الجمهورية. هذا الانقسام الجيلي والاجتماعي يشكل تحدياً لشرعية رموز السلطة التقليدية، ويؤكد أن الأزمة الاقتصادية مترابطة بأزمة سياسية وهوية.
الحروب الخارجية؛ ستار للأزمة الداخلية
في ظل سياسة تقشف الحكومة وزيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة، التي رفعت تكاليف المعيشة، تُنفق مليارات الجنيهات من الميزانية العامة على التدخلات العسكرية. أعلنت بريطانيا عن حزم مساعدات عسكرية بمئات الملايين لأوكرانيا، وميزانية سنوية قدرها 4.5 مليار جنيه لهذه الحرب، مع سعي لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ترافق ذلك أرباح صناعة الأسلحة، بل ونُشرت تقارير عن مليارات الجنيهات التي جنتها لندن من بيع الطائرات المسيرة إلى كييف. إلى جانب ذلك، يثير دور بريطانيا كأحد أبرز موردي الأسلحة للنظام الصهيوني في حرب غزة تساؤلات أخلاقية خطيرة. في هذا السياق، تحولت الضجة المتعلقة بحقوق الإنسان والعقوبات وتشويه صورة اقتصاديات الدول الأخرى إلى أداة لتشتيت الرأي العام وتبييض الأزمات الداخلية.