نورنيوز - وقعت الهجمات الأمريكية الواسعة على بادية دير الزور والرقة في وقت تواجه فيه واشنطن طريقاً مسدوداً في عدة جبهات: فشل خطة إنهاء حرب أوكرانيا، وعدم النجاح في زعزعة استقرار فنزويلا، وتركيز الرأي العام العالمي على جرائم النظام الصهيوني في غزة. في مثل هذا الجو، إعادة فتح ملف داعش وإعلان «الانتقام» من قبل ترامب ووزير الحرب الأمريكي، أكثر من كونه ردّاً أمنياً، هو عملية نفسية-إعلامية لتغيير جدول الأعمال العالمي. كما تُظهر الأدلة الميدانية أن هذه الهجمات ليست انطلاقاً من موقع قوة، بل محاولة للتغطية على تراجع الردع الأمريكي وتآكل مصداقية الادعاءات السابقة لترامب بشأن القضاء التام على داعش.
انهيار ادعاء ترامب بإبادة داعش
كان ترامب يقدم إبادة داعش كأحد أهم إنجازاته، ويستخدمها أداة للهجوم على الديمقراطيين وسياسة الانسحاب من أفغانستان. ومع ذلك، فإن الهجوم على القوات الأمريكية في سوريا، ونشر رسائل جديدة لداعش في إدلب، وتقارير عن إقامة نقاط تفتيش، أسقطت هذا الادعاء عملياً. في الوقت نفسه، زادت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية داخل أمريكا من الضغط الشعبي على ترامب. في مثل هذه الظروف، يُعد الهجوم على سوريا أكثر من أي شيء محاولة لإعادة بناء صورة الرئيس الأمريكي المتضررة، وتخفيف الضغوط الداخلية من خلال صناعة بطل خارق إعلامياً.
تفسير أناني لحق الدفاع المشروع
إن تأكيد المسؤولين الأمريكيين على «الانتقام» يكشف عن التفسير الانتقائي والأناني لواشنطن لمبدأ حق الدفاع المشروع. فأمريكا تحتفظ لنفسها بحق التدخل العسكري في أي نقطة في العالم، لكنها في الوقت نفسه تنكر حق الدفاع المشروع للشعوب أمام الاحتلال والعدوان. الضغط لنزع سلاح مقاومة غزة، والإجراءات العدائية ضد حزب الله في لبنان، ومنح النظام الصهيوني حرية العمل الكاملة في سوريا، والضغط على العراق لإضعاف قوات المقاومة الشعبية، والتهديد المباشر للقدرة الدفاعية الإيرانية، كلها مكونات نمط واحد؛ نمط يعرف أمن النظام الصهيوني ليس كمسألة دفاعية، بل كمشروع هيمنة إقليمية.
تطهير الإرهاب وتغيير أولويات الاحتلال
أحد الأبعاد الخطيرة للهجمات الأخيرة هو السعي لمنح شرعية غير مباشرة للجولاني وهيئة تحرير الشام. أمريكا التي سبق أن دعمت بفخر تغيير السلطة في دمشق، وحتى علقت عقوبات قيصر، تسعى الآن من خلال إبراز دور الحكومة الجديدة في مواجهة داعش، إلى التغطية على الجرائم الواسعة التي ارتكبها هذا التيار على مدى عام كامل. في الوقت نفسه، وبتركيزها على «الإرهاب»، يتم تهميش القضية الرئيسية في سوريا وهي احتلال النظام الصهيوني. هذا التغيير في الأولويات لا يمنح شرعية لتقسيم سوريا فحسب، بل يرسل رسالة تحذيرية إلى تركيا والأكراد وغيرهم من اللاعبين الإقليميين بشأن الخطوط الحمراء الأمريكية. يتكرر هذا النمط في أمريكا اللاتينية أيضاً؛ حيث تسعى واشنطن، بحجج مثل المخدرات والهجرة غير الشرعية والآن الإرهاب، إلى تبرير التدخلات العسكرية والضغوط المتزايدة على فنزويلا؛ مشروع فشل حتى الآن في كسر التماسك الوطني لهذا البلد، لكنه لا يزال يُتابع كسيناريو نشط.