إن التدريب العسكري المشترك لمكافحة الإرهاب "سهند 2025" الذي تستضيفه قوة البرية للحرس الثوري الإسلامي في محافظة أذربايجان الشرقية، ليس مجرد تمرين عسكري. هذا التدريب، الذي يُجرى بعد فترة قصيرة من الدفاع الباسل الذي قامت به الأمة الإيرانية والقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية في الحرب الفرضية التي استمرت 12 يوماً، يحمل رسالة استراتيجية متعددة الطبقات في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية للمنطقة والعالم.
من اللافت للانتباه أن المرحلة الرئيسية للعمليات ستستمر ثلاثة أيام، ويتم استخدام الذخيرة الحية في جميع المراحل.
هذا التدريب هو أول عملية ميدانية مشتركة لمنظمة شنغهاي للتعاون تُجرى على الأراضي الإيرانية، وهذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها إيران هذا الحدث، وهو ما يدل على ترقية مكانة ايران من عضو جديد إلى شريك استراتيجي ومحوري في هذا التحالف.
قوة البرية للحرس الثوري، بصفتها المنفذ والمضيف الرئيسي لهذا التدريب، تتحمل مسؤولية تصميم وتنفيذ العمليات. ويبرز هذا الدور مع وصف الحرس الثوري بـ"مهندس مكافحة الإرهاب".
كما تم الكشف خلال هذا التدريب عن تقنيات متطورة مثل الطائرات المسيرة الانتحارية الصغيرة. ويشارك في التدريب قوات من 10 دول أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون هي: بيلاروسيا، إيران، الهند، الصين، باكستان، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا، طاجيكستان، أوزبكستان. كما تشارك دول ضيوف من بينها السعودية والعراق وأذربايجان ، مما يظهر مدى التقارب الواسع حول هذا الحدث.
اختيار محافظة أذربايجان الشرقية استراتيجياً كموقع للمناورة لم يكن صدفة. تقع هذه المنطقة عند تقاطع ثلاثة ممرات حيوية:
-الممر الدولي شمال-جنوب
-مسارات نقل الطاقة من حوض بحر قزوين إلى الخليج الفارسي
-نقطة الربط بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى
بإجراء هذا التدريب في مثل هذا الموقع الحساس، ترسل إيران رسالة واضحة لشركائها واللاعبين الدوليين: الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة ومستعدة لضمان أمن هذه الممرات الاقتصادية والحضارية الحيوية ضد أي تهديد إرهابي.
هذا الإجراء يرسخ إيران كضامن أمني موثوق للتحالف الشرقي.
من جهة أخرى، يأتي هذا التدريب في توقيت حساس للغاية، مباشرة بعد الانتصار في الحرب الـ12 يوماً. هذا التوقيت يُظهر جاهزية وقوة إيران العسكرية في الظروف الإقليمية الجديدة.
وفي بعد أبعد، تسعى مناورة "سهند 2025" إلى تقديم تعريف مستقل وشرقي لظاهرة الإرهاب. بينما يحاول الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، تصنيف الجماعات إلى "إرهابيين جيدين وسيئين" بناءً على مصالحه السياسية، فإن إجراء هذا التدريب المشترك مع دول كبرى مثل الصين وروسيا يُظهر أن هذه الدول لا تقبل التعريف الغربي، وتؤكد على تعريف يستند إلى الوقائع الموضوعية للمنطقة التي تقدمها إيران كدولة تمتلك خبرة عملية في مكافحة الإرهاب.
تأثير هذا التدريب قد يتجاوز المجال العسكري:
بناء الثقة الأمنية بين إيران وشركائها الرئيسيين في شنغهاي يمكن أن يكون تمهيداً لعقود اقتصادية أكبر وتسريع مشاريع هامة مثل إكمال ممر شمال-جنوب.
عرض قدرات وتقنيات إيران الدفاعية يعزز مكانة البلاد كشريك تكنولوجي في المعادلات الأمنية الإقليمية.
هذا الحدث يكشف عن تقارب جيوسياسي للدول الشرقية حول محاور غير غربية، ويرسخ إيران كأحد أقطاب هذا التقارب.
تُعد مناورة "سهند 2025" نقطة تحول في الدبلوماسية الدفاعية والأمنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذا الحدث، الذي يتجاوز كونه مجرد تدريب مشترك، يُظهر محورية إيران في تحالف شرقي قوي، ويعلن جاهزيتها لتوفير الأمن الإقليمي، وفي النهاية يعلن عن تشكل خطاب أمني مستقل قائم على المصالح المشتركة للدول الأعضاء.
الرسالة النهائية هي أن إيران ليست لاعباً فحسب، بل تمتلك دوراً نشطاً في النظام الأمني الجديد في المنطقة وشرق العالم.