نور نيوز - إطلاق النار الدامي في مدينة ستوكتون، والذي أودى بحياة عدة مواطنين في حفل عيد ميلاد طفل، ليس سوى واحد من مئات الحوادث المماثلة التي غرقت المجتمع الأمريكي في جو من الرعب وانعدام الثقة. وقع الحادث داخل صالة في محل آيس كريم، وخلّف أربعة قتلى وعشرة جرحى، مما جذب انتباه الرأي العام مرة أخرى إلى واقع يحاول المسؤولون الأمريكيون منذ سنوات إخفاءه من خلال الروايات السياسية. تُظهر الإحصاءات الرسمية أن آلاف الأشخاص يلقون حتفهم سنويًا في حوادث إطلاق نار فردية وجماعية؛ حوادث متجذرة في البنية الاقتصادية والسياسية الأمريكية، بنية تفضّل مصالح كارتلات صناعة الأسلحة على أمن البشر وحياتهم. إن اتساع نطاق العنف ليس أمرًا عشوائيًا، بل هو نتيجة مباشرة لقوانين تُقدَّس تحت شعار "حرية حمل السلاح"، وقد حولت المجتمع عمليًا إلى حقل روليت للموت.
التشريع المعيب وإعادة إنتاج الموت اليومي
تُظهر الإحصاءات وقوع أكثر من 600 حادث إطلاق نار جماعي سنويًا في الولايات المتحدة، أي بمعدل حالتين يوميًا في المتوسط. ورغم مطالبة الرأي العام المتكررة بفرض قيود صارمة على امتلاك الأسلحة، فإن المشرّعين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري يرفضون أي إصلاح جذري. إن الضغط الهائل من صناعة الأسلحة – من الكونغرس إلى البيت الأبيض – يحول دون أي إجراء فعّال. واللافت أن الحلول المقترحة لا تهدف إلى تقليل السلاح، بل تقتصر على اختبارات نفسية للمشترين الجدد وتعزيز ثقافة "التسلح العام"، بينما يوجد الآن أكثر من 390 مليون قطعة سلاح ناري في أيدي المواطنين الأمريكيين، وهو رقم يفوق عدد سكان البدل بأكمله. هذا الحجم الهائل من الأسلحة لم يمنع العنف فحسب، بل جعله جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين. لذلك، فإن حوادث إطلاق النار ليست استثناءً، بل دليل على أزمة هيكلية ناتجة عن الارتباط بين الرأسمالية والسياسة الانتخابية والنفوذ غير المحدود للوبيات السلاح.
العنف المؤسسي: من شوارع أمريكا إلى ساحات الحرب
لا يمكن تحليل العنف الداخلي في أمريكا بمعزل عن سلوكها الخارجي. نفس العقلية التي تؤدي داخليًا إلى قتل الشرطة لأكثر من ألف مواطن بريء سنويًا، تتحول خارجيًا إلى إشعال الحروب والغزو العسكري وتصدير الأسلحة. الولايات المتحدة هي في الساحة العالمية منتج العنف ومستفيده في آنٍ واحد؛ من سباقات التسلح إلى دعم الأنظمة القمعية مثل الكيان الصهيوني الذي يتلقى مليارات الدولارات سنويًا لتنفيذ سياساته المسببة للأزمات. وهكذا فإن النظام السياسي الأمريكي مبني على قاعدة من العنف المؤسسي، عنف يستمد جذوره من "الغرب المتوحش"، ويُعاد إنتاجه اليوم في صورة حروب بالوكالة، وضغوط اقتصادية، وعمليات عسكرية. في مثل هذه البنية، لا مكان للدبلوماسية، والسياسة الأمريكية تعتمد أكثر من أي شيء على القوة العسكرية.
الإسقاط الأمني والاستغلال السياسي لترامب
بينما يتصاعد العنف الداخلي في أمريكا، فإن المسؤولين بدلًا من حل الأزمة يلجأون إلى عناوين مضللة لصرف أنظار الرأي العام. من أمثلة ذلك محاولة ربط الهجمات الأخيرة بمواطنين أفغان، وهو إجراء سياسي أكثر منه واقعي، يُستخدم كأداة في صراع السلطة الداخلي.
يحاول ترامب من خلال إبراز ملف المواطنين الأفغان إظهار فشل إدارة بايدن في الانسحاب من أفغانستان، وفي الوقت نفسه تشكيل المناخ النفسي في البلاد لصالح سياساته المتشددة تجاه الهجرة. وهو منذ مدة يسعى لتطبيق خطط متطرفة مثل الترحيل الجماعي للمهاجرين وزيادة وجود الحرس الوطني في الولايات، خطط يراها بعض المحللين تمهيدًا لنوع من الانقلاب الناعم. وفي الوقت نفسه، تُظهر وثائق عديدة أن كثيرًا من مرتكبي حوادث إطلاق النار القاتلة في أمريكا كانوا من العسكريين السابقين أو من أفراد الأجهزة الأمنية. فضلًا عن ذلك، فإن أمريكا نفسها – بسبب الأزمات التي أحدثتها في أنحاء العالم من العراق وأفغانستان إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا – هي أكبر باعث للهجرات القسرية. وبالتالي، فإن إلقاء اللوم على المهاجرين ليس حلًا للمشكلة، بل غطاءً لإخفاء الجذور الحقيقية لأزمة الأمن في أمريكا، جذور تكمن في السياسات التدميرية والحربية والرأسمالية لهذا البلد.