ويعتبر ماء الورد واحدا من أقدم المنتجات الطبيعية التي استخدمها الإنسان عبر العصور، حيث كان يُستخرج من بتلات الورد، ويُستخدم في مجالات متعددة تشمل التجميل، الطهي، والطب التقليدي. يُعد ماء الورد رمزًا للنقاء والرائحة الزكية، وقد أُطلق عليه في العديد من الثقافات اسم “إكسير الجمال” لما له من فوائد صحية وجمالية عظيمة.
ويمثل ماء الورد أكثر من مجرد سائل عطري، فهو يحمل في طياته تاريخا طويلًا من الاستخدامات والفوائد التي جعلته عنصرا لا غنى عنه في الحياة اليومية لثقافات عديدة. من العناية بالبشرة إلى دعم الحالة النفسية، ومن النكهات الشرقية إلى الروائح العطرة، أثبت ماء الورد جدارته بكونه منتجا طبيعيا شاملا.
وتُظهر أمثلة الاستخدام العملي مدى تكامل ماء الورد في الجوانب الجمالية والصحية والغذائية. كما أن مكانته في الثقافة الإيرانية تُعزز من قيمته التراثية، لا سيما مع استمرار تنظيم مهرجانات تقليدية تحتفي به وتُعرّف الزوار على أسرار إنتاجه.
ويحضر ماء الورد في أفراح وأتراح الإيرانيين، وفي لحظاتهم السعيدة والتعيسة، في مطبخهم اللذيذ، وفي طبهم التقليدي. يتفنن الإيرانيون بماء الورد الجوري؛ يتناولونه ويتعطرون به ويغسلون به وجوههم، فهو بمثابة الداء لكل دواء، والطعم لكل طعام. بإمكان الإنسان أن يميز نحو تريليون رائحة في مشامه، وما هو أقرب لشامة الإيرانيين رائحة ماء الورد النفاذة القوية، فحين يستشممها أي إيراني أينما كان من مختلف بقاع العالم، سرعان ما تعود به الذاكرة إلى أصالته ووطنه وإلى منزل الجدة التي اعتادت على أن تضع ماء الورد في كل شيء.
ولطالما اعتبر الإيرانيون الورد الجوري (الورد المحمدي) كما أطلقوا عليه منذ القدم أيقونة الجمال والنقاء والرائحة الزكية المنسوبة لعطر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لما يحمله "الجوري" من بعد رمزي يظهر العاطفة والحب الصادق وما تحمله النفس من مشاعر نبيلة لخاتم المرسلين عليه السلام.
ويزداد نقاء الورد وطهره أثناء عملية تقطيره واستخلاص مائه، ويعتبر ماء الورد مقدسا في ثقافة الشعب الإيراني حيث يستخدمونه في تنظيف المساجد وفي الأعياد والاحتفالات والتعازي، وكذلك في المأكولات خصوصا في شهر رمضان.
وانطلاقا من هذا المفهوم توسعت زراعة الورد المحمدي في أنحاء البلد وانتشرت صناعة ماء الورد ذي الجودة العالية، وأصبحت إيران من أكبر منتجي الورد المحمدي وماء الورد عالميا، وتصدر منه آلاف الأطنان سنويا لدول العالم.
و تبدأ موسم قطف هذه الورود في الشهر الثاني من الربيع في التقويم الايراني، أي شهر "ارديبهشت" الذي يصادف شهر "مايو" وأخذ ماءها المعطر.
وكان موسم تقطير ماء الورد، يبدأ عبر طقوس خاصة، حيث يقرع الأهالي الطبول وترديد الأغاني التراثية التي تعبر عن فرحهم، فهم يطلقون على هذا الطقس “عيد ماء الورد”. كما يتفنن الإيرانيون بعملية التقطير هذه، التي تعد من ضمن تراثهم الثقافي، ويتوافد الكثير من الإيرانيين من شتى المدن إلى مدينة كاشان التي تبعد 3 ساعات عن العاصمة طهران، كما أن الكثير من السياح الأجانب أيضاً يحضرون في الورش التقليدية.
وتشتهر مدينة كاشان بزراعة الورد وتقترن رائحة الورد الجوري الجميلة في إيران بهذه المدينة وحقولها الواسعة المزهرة، التي تفتح في فصل الربيع لسكانها باب رزق موسمي يردف دخل ريف المدينة.
وتجذب المنطقة السياح من داخل وخارج إيران، فالروائحة العطرة للحقول تبث النشاط في الزوار مما يجعلهم يعودون دائماً، أغلب السياحة الداخلية تتجه نحو كاشان لمشاهدة حقول الورد وكيفية تقطير ماء الورد.