نورنيوز - عُقدت قمة شرم الشيخ في ظل ضغوط واسعة النطاق من بعض الجهات الغربية، خلف الكواليس، لجلب إيران إلى طاولة المفاوضات. كان الهدف الخفي من هذا الاجتماع هو خلق صورة عن توافق إقليمي حول خطط وُضعت عمليًا دون حضور ممثلين حقيقيين للشعب الفلسطيني. في مثل هذه الظروف، كان من الممكن أن يُضفي حضور إيران، دون قصد، شرعيةً على آليات وُضعت ظاهريًا تحت شعار "وقف الصراعات"، لكنها في الواقع وُضعت لاستعادة توازن القوى لصالح النظام الصهيوني. كان قرار طهران بعدم الحضور ردًا حاسمًا على هذه العملية. أظهرت إيران أنه في المجال الدبلوماسي، ليس مجرد الحضور معيارًا للمصداقية؛ بل إن "طريقة الحضور" و"رسالة الحضور" هما الأهم. ومن خلال تجنب المشاركة في الآليات الاستعراضية، أكدت طهران أن حل أزمة غزة يجب أن يكون من خلال حوار حقيقي وشفاف ومتمحور حول القضية الفلسطينية، وليس من خلال اتفاقيات سرية بين القوى الإقليمية والدولية.
الحفاظ على التوازن بين وقف إطلاق النار وموقف المقاومة
على الصعيد الميداني، لا يمكن لوقف إطلاق النار المؤقت أن يكون فعالًا إلا إذا كان مصحوبًا بضمانات عملية؛ في حين أن النظام الصهيوني أثبت في التجارب الأخيرة مرارًا وتكرارًا أنه لن يتوقف عن قتل سكان غزة العزل، وخاصة النساء والأطفال، حتى في الساعات الأخيرة من وقف إطلاق النار. وتشير التقارير الميدانية من غزة إلى أن قصف المباني السكنية والبنية التحتية الحيوية استمر حتى اللحظات الأخيرة من وقف إطلاق النار. في مثل هذه الأجواء، قد ينظر المراقبون إلى أي مشاركة إيرانية في اجتماعات مثل شرم الشيخ على أنها تراجع عن دعم المقاومة. كان قرار إيران في الواقع إجراءً لحماية شرعية وتماسك حركات المقاومة؛ وهي نفسها الحركات التي استطاعت فرض معادلة ردع جديدة على النظام الصهيوني خلال الحرب الأخيرة. إن دعم إيران للمقاومة ليس شعارات، بل هو تجنب لأي سلوك دبلوماسي يمكن تفسيره على أنه تهميش لها. وبالتالي، فإن غياب إيران عن اجتماع شرم الشيخ ليس علامة عزلة، بل رمز لاستمرار دور الجمهورية الإسلامية النشط في محور دعم الشعب الفلسطيني؛ محور يعمل اليوم، من خلال انتصاراته الميدانية وتزايد التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني، بقوة أكبر بكثير من الماضي.
تعزيز القدرة الدبلوماسية المستقلة لإيران
لطالما حافظت إيران في سياستها الخارجية على التوازن بين "الأخلاق السياسية" و"المصالح الوطنية". وفي القضية الفلسطينية، يتجلى هذا التوازن أكثر من أي وقت مضى. لا تسعى إيران فقط إلى إنهاء العنف وقتل الأبرياء، بل دأبت على التأكيد على أن وقف إطلاق النار الحقيقي لا يكون مجديًا إلا إذا رافقه رفع كامل للحصار عن غزة وضمانات الحق في الحياة والصحة وإعادة الإعمار. وقد أكد بيان وزارة الخارجية الإيرانية في الأيام التي سبقت اجتماع شرم الشيخ على هذا النهج؛ وأن حل أزمة غزة يكمن في المقاومة والعدالة، لا في اجتماعات تغيب فيها إرادة الشعوب. في الواقع، كان هذا القرار انعكاسًا لدبلوماسية إيران الموجهة نحو الاستقلال؛ دبلوماسية تقاوم أي ضغوط خارجية للمشاركة في العمليات المفروضة، مع الحفاظ على ضبط النفس ومنطق المقاومة. من ناحية أخرى، تسعى إيران، من خلال توظيف قدراتها التواصلية مع الدول المستقلة، إلى بناء تحالف أخلاقي وإنساني لدعم الشعب الفلسطيني. ويُعدّ هذا النهج تجسيدًا لدبلوماسية إيران متعددة الأوجه، التي لا تركز فقط على لغة الاحتجاج، بل أيضًا على هيكل من التعاون والتآزر. منظور بعيد المدى، مبادرة إسلامية، وديناميكيات إقليمية
لم تكن سياسة طهران تجاه قمة شرم الشيخ قرارًا مؤقتًا، بل هي مؤشر على بلورة استراتيجية طويلة المدى في سياستها الشرق أوسطية. تُشدد طهران اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على ضرورة بلورة مبادرات إسلامية لإدارة أزمة غزة؛ مبادرات يمكن بلورةها في إطار منظمة التعاون الإسلامي وبمشاركة الدول المستقلة. هدف هذه السياسة واضح: وقف إطلاق نار حقيقي ووقف قتل النساء والأطفال الفلسطينيين المضطهدين، وليس سلامًا استعراضيًا مع نظام الاحتلال الصهيوني، القائم على التوسع وانتهاكات حقوق الإنسان. تؤمن إيران بأن أي تفاوض أو اتفاق يكون مشروعًا عند تلبية المطلب الأول والأهم، ألا وهو وقف قتل المدنيين.
في ظل الظروف الراهنة، يُعد قرار إيران بعدم حضور قمة شرم الشيخ جزءًا من استراتيجية أوسع ترتكز على ثلاثة ركائز: الحفاظ على شرعية المقاومة، والسعي إلى وقف إطلاق نار حقيقي، ووضع أطر إسلامية لإعادة إعمار غزة ومستقبلها. وتقدم هذه الاستراتيجية صورة لإيران باعتبارها دولة مستقلة وأخلاقية ومتطلعة إلى المستقبل في ظل التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط.