نورنيوز: أُعلنت مبادرة ترامب لغزة في وقتٍ يدعو فيه الرأي العام في العالم الإسلامي إلى إنهاء الحرب فورًا ووقف جرائم النظام الصهيوني. وقد رافق رد فعل الدول العربية والإسلامية الثماني نشر بيانٍ مشترك، إلا أن هذا البيان لا يُظهر أي إشارة إلى قبول كامل لخطة ترامب. ما تم الترحيب به هو "تقديم مقترح" و"محاولة لإنهاء الحرب"، وليس تفاصيل الخطة. هذا الاختلاف الطفيف في المظهر له دلالة مهمة في المضمون: فالدول تريد إظهار أنها لم تغلق باب الحوار، لكنها لا تنوي الصمت في وجه بنود مثل نزع سلاح حماس أو نشر قوات أجنبية. في الواقع، هذا التباعد الذكي هو تكتيك لتخفيف الضغط السياسي من واشنطن والحفاظ على إمكانية المناورة المستقبلية.
*دبلوماسية الكلمات المدروسة
تحمل لغة البيان أيضًا رسائل متعددة الأبعاد. يشير التركيز على "التفاعل الإيجابي والبناء مع الأطراف المعنية" إلى أن كاتبي البيان حرصوا على مراعاة نطاق الجهات الفاعلة الواسع بما يكفي ليشمل حماس. هذه العبارات هي نوع من اللغة الدبلوماسية المشفرة التي تُطمئن واشنطن، ولها معنى خاص لجماعات المقاومة. من ناحية أخرى، تُساعد هذه الصياغة المدروسة على تقديم البيان كموقف مشترك، على الرغم من وجود اختلافات عميقة في جوهره بين الموقعين. هذا الفن في اختيار الكلمات يسمح لهذه الدول بنقل رسالة طمأنة إلى الولايات المتحدة وحماية نفسها في الوقت نفسه من موجة انتقادات داخلية.
*فجوات بين الموقعين
يختلف الواقع السياسي الكامن وراء الكواليس عما يظهر في النص الرسمي. فالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أكثر ميلاً للتوافق مع الجوانب الأمنية والصارمة من خطة ترامب. في المقابل، تسعى تركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع حماس والحركات الشعبية الفلسطينية. كما تقع مصر والأردن بين هذين الطيفين، حيث ينصب اهتمامهما على استقرار حدودهما والتداعيات الداخلية لأزمة غزة. لذلك، فإن البيان المشترك ليس إجماعًا حقيقيًا، بل هو نتاج صفقة دبلوماسية؛ اتفاق هش لمنع ظهور الخلافات. قد يؤدي هذا التنوع في الآراء إلى اتباع كل دولة لمسارها المستقل تجاه تطورات غزة مستقبلًا وانهيار الإطار الجماعي.
*مستقبل غامض ومسؤولية جسيمة
يشير الجزء الأخير من البيان إلى مبادئ تصب ظاهريًا في مصلحة فلسطين: إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومنع التهجير القسري، وإعادة إعمار غزة بالكامل، وإطلاق سراح الرهائن، وتحقيق حل الدولتين. مع ذلك، يُعدّ غياب آلية واضحة لتفعيل هذه المبادئ نقطة ضعف خطيرة في النص. تُريد هذه الدول إظهار وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، لكنها لا تدفع ثمنًا حقيقيًا لتحقيق هذه الأهداف. عمليًا، يُعدّ هذا البيان أداةً لكسب الوقت وتجنب الانتقادات المباشرة أكثر منه أداةً لوقف الحرب. السؤال الجوهري هو: هل ستكون هذه الحكومات مستعدةً لتجاوز البيان وممارسة ضغطٍ فعّال على إسرائيل، أو حتى ترامب، على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟ ستُحدّد الإجابة على هذا السؤال مستقبل هذا البيان ومصير دور الدول الإسلامية في أزمة غزة.