معرف الأخبار : 84470
تاريخ الإفراج : 12/28/2021 11:02:39 PM
قراءة في الأهداف الواقعية للمفاوضين في فيينا

قراءة في الأهداف الواقعية للمفاوضين في فيينا

نظرة فاحصة على التعقيدات التي تخيّم على أجواء مفاوضات فيينا تؤكد حقيقة أن إصرار الغرب على مسألة "ضيق الوقت" هو محاولة متعمدة لزعزعة هدوء وتركيز فريق التفاوض الإيراني، بغية تحقيق هدفين تسعى لهما كل من أوروبا وأمريكا هما "اما عدم التوصل الى اتفاق وتحميل ايران مسؤولية ذلك أو التوصل الى اتفاق سيّء".

نورنيوز- رأى الاتفاق النووي النور في عام 2015 نتيجة العديد من التقلبات والتحولات، كانت من ناحية متجذرة في تقييم الأطراف لنية الطرف الآخر للدخول في الاتفاقية، ومن ناحية أخرى، رهينة الظروف المحددة لـ المحادثات ونهج كلا الحكومتين الايرانية والامريكية في ذلك العام.

وكان مرور الزمن وعدم اكتمال تنفيذ خطة العمل المشتركة، وتحديد أبعاد استراتيجيات الطرفين بشكل واضح تجاه بعضهما البعض، كفيلاً بالكشف عن النتائج الحقيقية للمرحلة العملية للاتفاق.

اليوم، وبينما نقترب من طي آخر صفحات العام 2021، وبعد أكثر من 6 سنوات على توقيع الاتفاق النووي، وفي ضوء القرار الذي اتخذه الطرفان بمواصلة المحادثات من أجل إحياء الاتفاقات السابقة، حدثت تحولات واسعة النطاق وعميقة، في مختلف المجالات التي سيكون لها تأثير بالتأكيد على الاتفاق، وربما ستفضي الى التوصل لاتفاقية جديدة.

اذا توصلنا الى قناعة مفادها أن الاتفاق النووي له ركيزتان أساسيتان لا أكثر، بما في ذلك "إزالة مخاوف أوروبا وامريكا بشأن أنشطة إيران النووية" و"رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران"، فإن تقييم الوضع الحالي على هذين المحورين سيساعد على التنبؤ بالآفاق المستقبلية للمفاوضات الراهنة، وهو ما يستحق العناء من دون شكّ.

في الحقيقة، ساعدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر تكثيف رقابتها على أنشطة إيران النووية الغرب على إدراك أوسع لأبعاد أنشطة إيران النووية السلمية، وجعلته يوقن بأن إيران، ورغم التقدم السريع الذي أحرزته في هذا المجال، إلاّ أنها لا تريد أبدا صنع أسلحة نووية.

كما ان إحجام أوروبا بل مواصلة انتهاكاتها في عملية التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا الحالية يرجع في معظمه إلى التأكيد على أن برنامج إيران النووي لن ينحرف عن مساره نحو صنع أسلحة نووية، لأنه قبل وبعد العام 2015، بذلت أوروبا جهودًا كبيرة للتوصل إلى اتفاق مع إيران مع زيادة إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحدّ من برنامج إيران النووي تماما، نظرًا لأنها رأت ما يسمى بالتهديد النووي الإيراني أقرب إليها من الناحية الجغرافية.

وفيما يتعلق بمسألة رفع العقوبات، دفع حدثان مهمان للغاية أطراف الاتفاق النووي إلى إيلاء اهتمام مختلف لدور ووظيفة الحظر في انجاح المفاوضات.

عقب توقيع الاتفاق النووي، اقتنعت الجمهورية الإسلامية بأن الأطراف الغربية ليس لديها إرادة للتخلي عن هيكل العقوبات، وأن هناك فجوة كبيرة بين ما هو مكتوب على الورق وما ينفّذ على أرض الواقع.

علاوة على ما تقدّم، وخلافاً للنظرة المتساهلة للمسؤولين السابقين لجهاز السياسة الخارجية الايرانية، الذين اعتقدوا أنه تم الحصول على ضمانات كافية من الولايات المتحدة وأوروبا للبقاء ملتزمين بالاتفاق النووي، وأنهم لا يستطيعون التقصير في الوفاء بالتزاماتهم، تبيّن فيما بعد أنه من الممكن الخروج من الاتفاق بكل سهولة أريحية، ومن الممكن في ذات الوقت العودة إليه ومواصلة المسرحية الهزلية السابقة.

وقد أدى اكتساب هذه التجارب إلى قيام الجمهورية الإسلامية باستغلال كل طاقاتها الداخلية والخارجية للالتفاف على العقوبات وتذليل آثارها على اقتصاد البلاد من خلال إرساء سياسة "المقاومة النشطة" منذ أواخر عام 2019، وتهيئة الظروف لمواجهة جميع تبعات الممارسات الغربية الجائرة، وبالتالي تمكنت ايران من تحطيم أداة العقوبات التي تلوّح بها امريكا وأوروبا، وخفضت بشدة قيمتها للاستخدام في الاتفاقية الجديدة.

في ضوء هذه التطورات، أدّت عدّة تحولات سياسية بارزة من قبيل تشكيل حكومة جديدة في إيران وتعاظم خلاف الصين وروسيا مع الولايات المتحدة حول العقوبات الاحادية، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وآثاره على السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد، وتغيير أولويات السياسة الخارجية الامريكية، لا سيما تقليص تواجدها في الشرق الأوسط والجهود المبذولة لاحتواء الصين، فضلاً عن الاستراتيجيات الجديدة التي تنتهجها فرنسا لملئ الفراغ الذي ستخلّفه امريكا في الشرق الأوسط، الى حدوث تغيير جذري في المكونات السياسية الرئيسية التي تؤثر على محادثات فيينا.

ويمكن استخلاص بضعة نقاط هامة من جملة تلك التطورات وما تركته من تأثير على سلوك الفاعلين الرئيسيين في محادثات فيينا حتى الآن:

أولا: نظرا لعدم وجود أي خطّة على جدول أعمالها لتصنيع الأسلحة النووية، تميل إيران إلى استخدام قدرتها على رفع العقوبات لتطوير اقتصادها بشكل أسرع في شكل "صفقة جيدة".

ثانياً: تحاول امريكا التوصل إلى اتفاق يحافظ على هيكل العقوبات والضغوط القصوى المفروضة على ايران، ويمتد الى قضايا أخرى خارج إطاره ويقدّم أقل قدر ممكن من الفوائد لايران في الوقت ذاته.

ثالثا: بسبب مخاوفها بشأن أنشطة إيران النووية، تميل أوروبا أكثر لتجاهل أي مصالح اقتصادية لايران والانتقام من معاملة ترامب المهينة لأوروبا عقب انسحابه الاحادي من الاتفاق النووي بتخريب الاتفاق على بايدن.

رابعاً: تبذل روسيا والصين جهودا مكثّفة للتعاطي بالشكل المناسب مع نهج الحكومة الايرانية الجديدة للتعاون الاستراتيجي مع الشرق، وإثبات فشل سياسات العقوبات الأمريكية، والتي تطالها أيضًا، من خلال صياغة اتفاقية جديدة.

إن إلقاء نظرة فاحصة على التعقيدات التي تخيّم على أجواء مفاوضات فيينا تؤكد حقيقة أن إصرار الغرب على مسألة "ضيق الوقت" هو محاولة متعمدة لزعزعة هدوء وتركيز فريق التفاوض الإيراني، بغية تحقيق هدفين تسعى لهما كل من أوروبا وأمريكا هما "اما عدم التوصل الى اتفاق وتحميل ايران مسؤولية ذلك أو التوصل الى اتفاق سيئ".

في الختام، يمكننا التأكيد على أن الحجم الهائل للهجمة الإعلامية التي يشنّها الجانب الغربي من المفاوضات وتكرار استخدام المصطلحات التحريضية والمفبركة يعكس حقيقة أن الأطراف الغربية في فيينا تحاول تشويه وقلب الحقائق من خلال شحن الاجواء وتسميمها عوضاً عن التفاوض واتباع المسار الدبلوماسي والحوار.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك

X
آگهی تبلیغاتی