معرف الأخبار : 64316
تاريخ الإفراج : 4/3/2021 8:19:32 PM
وثيقة "التعاون الشامل" بين ايران والصين.. كل ما تريد معرفته عنها

وثيقة "التعاون الشامل" بين ايران والصين.. كل ما تريد معرفته عنها

أثار توقيع ايران والصين على وثيقة تعاون «استراتيجي» تمتد لربع قرن كما تم التخطيط لها، موجة شعواء من التهويل الاعلامي ارتكزت بمجملها على تشويه الحقائق من قبل بعض التيارات المعادية داخل ايران وخارجها.

تزامنت بداية صياغة هذه الوثيقة التمهيدية، التي تنظر إليها إيران والصين كخارطة طريق لتحقيق التعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين، مع الزيارة الرسمية للرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى إيران في العام 2016.

في ذلك الوقت، أصدرت كل من طهران وبكين بيانا مشتركا أعلنا فيه أنهما قرّرتا رفع مستوى العلاقات بينهما إلى شراكة استراتيجية شاملة، وبناءً على اقتراح الجانب الإيراني ودعوته لإقامة علاقات طويلة الأمد مع الصين تمتد لمدّة 25 عاماً، أعرب الجانبان في الفقرة 6 من البيان، عن استعدادهما للتشاور والتفاوض بشأن وثيقة تعاون طويلة الأجل.

في هذا السياق، واستناداً إلى المهمة الموكلة إلى الجهاز الدبلوماسي الايراني، أعدت وزارة الخارجية، بالتعاون الوثيق مع مؤسسات الدولة الصينية وبعد عقد سلسلة من الاجتماعات التنسيقية المكثّفة، مسودة "برنامج التعاون الاستراتيجي الشامل"، وبعد صياغة هذه الوثيقة عُرضت على كبار المسؤولين الصينيين خلال زيارة الوزير ظريف الرسمية للصين في سبتمبر 2019.

في ربيع عام 2020، كشفت السلطات الصينية، بعد إجراء الدراسات اللازمة على مسودة وثيقة التعاون، عن رأيها بشأن هذا المشروع الذي اقترحه الجانب الإيراني، بعد ذلك، قامت وزارة الخارجية الايرانية وبالتعاون مع مؤسسات الدولة بمراجعة الوثيقة وخضعت للإجراءات القانونية اللازمة، لتصدر بعدها في 23 يونيو 2020، إذن رسمي لوزارة الخارجية يدعوها لبدء المفاوضات والشروع في إجراءات توقيع خطة التعاون الشامل مع الصين القائمة على تحقيق المصالح المشتركة للبلدين.

في أكتوبر العام الماضي، لدى زيارة الوزير ظريف الثانية إلى الصين على وجه التحديد، أبلغت إيران الحكومة الصينية بآرائها المعدّلة والتكميلية بشأن هذه الوثيقة، كما أبلغ الجانب الصيني وزارة الخارجية الإيرانية بآرائه حول الوثيقة في منتصف مارس 2021، وأخيراً تُوّجت هذه الجهود الدبلوماسية مع زيارة وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" مؤخراً إلى طهران في اليوم الأول من العام الايراني الجديد، والتي وقّع خلالها "وانغ" و"ظريف" رسمياً على وثيقة التعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين.

وبحسب بيان المسؤولين في طهران وبكين، ينبغي اعتبار الوثيقة برنامجا سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا وثقافيا يرنو تحقيق جوانب شاملة للعلاقات بين البلدين في هذه المجالات على المدى الطويل.

هذا حدث مهم ولكن؛ لعدة أسباب، أهمها الحؤول دون تخلّص إيران من نير ضغوط العقوبات الغربية القصوى، جعله محطّ أنظار الجبهة الإعلامية الغربية منذ أن بانت أولى ملامحها، وبدأت الجبهة الغربية المعادية لايران بممارسة سياساتها المخاتلة لاسيما عن طريق أداة الاعلام- بما في ذلك وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية- في سبيل تخريب هذه الوثيقة، وكثّفت حملاتها لتشويه الحقيقة، وتأليب الرأي العام الايراني على هذه الاتفاقية، وتحويل مسألة التعاون الاستراتيجي مع الصين الى مسار شائك يُصعّب على السلطة الايرانية اجتيازه.

وبدأ إنتاج محتوى إعلامي يستخدم مصطلحات تحريضية من قبيل، "بيع إيران للصين" و "تركمنشاي الصين" وما إلى ذلك من أدوات الحرب النفسية. وقامت هذه العملية النفسية على اعتماد سياسة طمث حقيقة جوهر الموضوع وتضخيم الهوامش المشوهة، وللأسف تمكّنت هذه الحملة عن طريق بعض النشطاء المحليين من لعب الدور الأكبر في تشويه الواقع وإثارة القلق لدى الرأي العام.

ومع ذلك، هناك نقاط مهمة حول هذه الوثيقة ولماذا تم تحضيرها وتوقيعها من قبل إيران، والتي إذا قمنا بشرحها وتوضيحها بشكل صحيح ودقيق، يمكن أن تجيب على أسئلة الكثير من المهتمين.

النقطة المحورية في هذه الحملة الغربية، هي فرض معادلة "ثنائية القطب بين الشرق والغرب" على السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، والتي يتم تمريرها عبر، وضع ايران في موضع المقصّر الرئيسي في ملف العقوبات وتقديم الغرب باعتباره المنقذ الوحيد لها، وعن طريق شيطنة العلاقات الاستراتيجية التي تُقيمها ايران مع الشرق والتي من الممكن ان تصبح طوق نجاة لايران من الحظر الجائر، واختزال المسألة بترويج يائس مفاده أن ايران تبيع نفسها للصين.

في هذا الصدد، تكتسب النقاط التالية أهمية خاصة وتبين أن التوقيع على مثل هذه الوثيقة يعتمد بالمصادفة على منطق الدبلوماسية النشطة والشاملة وتحقيق أقصى قدر من المصالح الوطنية:

أولاً؛ على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي يبلغ حوالي 29 تريليون دولار و 471 مليار دولار وهو متقدم بفارق كبير على الاقتصاد الصيني، إلاّ أن قوّة الأخير الشرائية أعلى من تلك الموجودة في الولايات المتحدة بكثير، لذلك تعدّ هذه الوثيقة، بالنسبة لدولة بأمسّ الحاجة الى العملة وتشجّع الآخرين على الاستثمار، لاسيما محلياً، ضرورية للغاية لها.

بجملةٍ أخرى، ستكون الصين محور الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب، ومن المهم للغاية أن تكون لديك علاقة استراتيجية مع دولة تعدّ قوة اقتصادية كبرى، من ناحية أخرى؛ إيران دولة تتمتع بميزة اقتصادية نسبية في تصدير النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية، وبالتالي فإن الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد مع طهران ستفيد دولة مثل الصين في المقابل.

من ناحية أخرى، تحتاج ايران لتحقيق التنمية الاقتصادية التي تنشدها إلى سياسة الصين الخارجية مقابل واردات النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية، ويمكن للصين الاستثمار في الخطط الاقتصادية لصناعة النفط والغاز والبنية التحتية للاتصالات في ايران. لذلك، إن إقامة علاقات تمتد لربع قرن، ستمنح ايران "ثقة نسبية" في إطار التخطيط الاقتصادي طويل الأجل.

ثانياً؛ من الناحية السياسية، للشراكة الاستراتيجية مع بكين آثار إيجابية لم يتم التطرّق لها بشكل متعمّد، إذ كانت الصين على مدار العقدين الماضيين، ثاني أقوى دولة وأكثرها نشاطا في العالم من حيث الاقتصاد والتعداد السكاني والإنفاق العسكري المتنامي بشكل مطّرد.

من ناحية أخرى؛ رغم كل هذا القدر من العداوات وبرامج العقوبات المشدّدة والصارمة، وصلت إيران إلى نقطة من الثبات والاستقرار والقدرات الداخلية لا يستهان بها، علاوة على النفوذ الإقليمي والدولي، وهو ما اعترف به العديد من الخبراء الغربيين وحتى السياسيين، لذلك من الواضح أن الولايات المتحدة والغرب لن يكونا سعيدين بهذه الاتفاقية التي لا تعني سوى تشكيل تكتّل قوى جديد ضد الغرب وأذياله.

إنهم يدركون جيدًا أن هذه المذكرة يمكن أن تكون بداية لتحرك استراتيجي وهادف نحو تقرب إيران من الشرق، وبالطبع تقلل من حاجة إيران إلى الغرب، ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون خطوة استراتيجية من جانب الصين لدخول غرب آسيا وبالتالي صعود نجم الصين كقوة اقتصادية مهيمنة تُزيح أمريكا من رأس القائمة.

من الواضح جدا أنه في مواجهة الضغط الأمريكي المكثف، لا ينبغي لإيران أن تقف مكتوفة الأيدي وتراقب الوضع الحالي لتصبح دولة معزولة تعاني الحصار، بل يفرض منطق "الدبلوماسية الهجومية" القائمة على "استراتيجية المقاومة النشطة" أن يفكّر المرء في بدائل أخرى.

ثالثاً؛ يجب توضيح الفوائد الاقتصادية الهائلة التي تجنيها إيران من هذه الوثيقة، إن تحقيق الاستثمار الصيني الضخم في إيران وتعاون إيران في تنفيذ مشروع "حزام واحد، طريق واحد" أو ما يُعرف بـ "مبادرة الحزام والطريق" كمشروع على طول طريق الحرير، يمكن أن يكون بالتأكيد مهماً جداً لإيران باعتبارها المعبر الرئيسي لهذا المشروع، ويلعب دورا مهما في النمو الإقتصادي لايران.

لسوء الحظ، ولأسباب انحياز بعض وجهات النظر المتطرفة للغرب، فقدت إيران سنوات ذهبية ثمينة لتحقيق قدرتها الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية، وكما ينبغي، ضاعت تلك السنوات ليكون لها دور في مشاريع مثل "مبادرة الحزام والطريق"، ولكن لا يزال الأمل مشرقاً، إذ من سمات هذه الوثيقة التأكيد على الدور الفعال لإيران في هذا المشروع ومن المؤمل أن الفرصة المتبقية لتحقيق جزء من هذه القدرة الكبيرة في شكل تطوير التعاون في مجال البنية التحتية - الاتصالات (السكك الحديدية) والطرق والموانئ والجو) على أكمل وجه، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى إحياء وازدهار قدرات الترانزيت في إيران.

يشمل مشروع "حزام واحد، طريق واحد" عدّة ممرات حيوية، ستة منها قيد التصميم أو قيد الإنشاء حاليا، من ضمن: الممرّ الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا، والممر الاقتصادي الجديد للجسر الأرضي الأوراسي، والممر الاقتصادي لشبه جزيرة الهند الصينية، والممر الذي يربط "بنغلاديش والصين والهند وميانمار"، وممر "الصين، آسيا الوسطى، غرب آسيا" وآخر هو ممر "الصين، باكستان".

ما يهم ايران من ذلك، هو أنه من بين هذه الممرات، سيكون للممرين الأخيرين تأثير كبير على الأمن القومي الإيراني، وسيجعلان الحفاظ على أمن إيران مهما للجهات الفاعلة الأخرى في هذا المشروع.

يشمل ممرّ "الصين- آسيا الوسطى - غرب آسيا" أربعة ممرات فرعية هي: ممرّ "قزوين" (الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، بحر قزوين، أذربيجان، جورجيا، تركيا، أوروبا)، "الممر الأوسط" (الصين، كازاخستان، بحر قزوين، أذربيجان، جورجيا، تركيا، أوروبا)، الممر "التاريخي الشمالي" (الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، إيران) والممر "الجنوبي التاريخي" (الصين، طاجيكستان، أفغانستان، إيران).

يشمل المسار الاقتصادي للصين وباكستان أيضا ممر " قراقرم- جوادر" (الصين وباكستان وبحر عمان) وممر "قراقرم –زاغروس" (الصين وباكستان وإيران). الممرات الثلاثة "بحر قزوين" و"الأوسط" و"قراقرم – جوادر" لا تمرّ عبر إيران، لكن الممرات التاريخية "الشمال والجنوب التاريخي وقراقرم –زاغروس" تمرّ عبر إيران.

على هذا النحو ستكون إيران بلد جيوستراتيجي على طريق الحرير الجديد الذي يربط الصين بموارد الطاقة في الخليج الفارسي وقلب غرب آسيا وأوروبا عبر آسيا الوسطى، كما ان إيران هي أيضا أسهل طريق تجاري غير روسي لبلدان آسيا الوسطى للوصول إلى المياه المفتوحة.

رابعاً؛ لطالما أرادت الصين تقليل مخاطر الطاقة في مضيق ملقا وهرمز، وهنا تلعب إيران، بمواردها الغنية بالطاقة وسيطرتها على مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره نحو خمسي واردات الصين من النفط، دورا مهما في طريق الطاقة الجديد هذا، لذا ترى الصين في ايران دولة هامة للغاية في تنفيذ مشروع طريق الحرير الجديد الذي تنشده، وللوصول الى آسيا الوسطى والخليج الفارسي وأوروبا، ومن وجهة نظر الاستراتيجيين الصينيين، إيران هي الجدار الأخير ضد النفوذ الأمريكي في أوراسيا.

لن تشكل الولايات المتحدة فحسب خطراً على الصين، بل إن حلفاؤها في غرب آسيا  بمن فيهم السلفية السعودية والقوميون الأتراك، جنبا إلى جنب مع الأويغور المناهضين لبكين - يمثّلون تهديدا أمنياً للصين وسلامة أراضيها، وهي قضية يمكن أن تخنق فكرة طريق حرير جديد.

خامساً؛ تحظى إيران بأهمية كبيرة في الجغرافيا السياسية للطاقة، لاسيما أن طريق الحرير الجديد يشير إلى أهمية التحكم في تدفق الطاقة من الخليج الفارسي وآسيا الوسطى وروسيا إلى الصين، إذ لا توجد دولة غنية بالنفط باستثناء إيران لديها القدرة على الارتقاء بعلاقاتها مع بكين إلى مستوى استراتيجي.

بعبارة أخرى، لا تستطيع إيران، باعتبارها ثاني أكبر مالك لاحتياطيات النفط والغاز في العالم، تلبية احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة فحسب، بل يمكنها أيضا إدارة مواردها من الطاقة بشكل مختلف عن البلدان الغنية بالنفط في المنطقة، وخاصة السعودية، دون تدخّل نفوذ الولايات المتحدة المزعج، كما أن العقوبات طويلة الأمد التي فرضها الغرب على إيران قضت على إمكانية وجود شركات النفط الغربية في صناعة النفط في البلاد ووفرت الأرضية لوجود الصين الفعال.

تجدر الإشارة إلى أن إيران كانت دائما واحدة من أكبر ثلاث دول مصدرة للنفط إلى الصين قبل أن يفرض ترامب عقوبات عليها، إذ كانت ذروة علاقات الطاقة بين طهران وبكين بين عامي 2011 و 2014، عندما استوردت الصين أكثر من 22 ألف مليون دولار من الطاقة من إيران، لهذا السبب، سيكون دور إيران في هذا المشروع حاسما للأمن القومي والتنمية الشاملة لايران.

بناءا على ما سبق ذكره، ستكون الاتفاقية الصينية-الإيرانية خطوة حاسمة في إحياء طريق الحرير الجديد، مما سيزيد من قدرة إيران على المناورة في الاتجاهات الجيواقتصادية للمنطقة، ويشجع القوى الاقتصادية الأخرى على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني والبنية التحتية الايرانية، خاصة في مجال الموانئ وشبكات الطرق.

من جانب آخر، لن يؤدي قطف ايران ثمار الفوائد الاقتصادية من هذه الشراكة الاستراتيجية إلى تقويض استقلالها بأي شكل من الاشكال، نظراً للنهج الصيني، إضافة الى أن هذا الاتفاق سيعزّز أيضا موقف الجمهورية الاسلامية في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من خلال المساعدة في حشد القدرات المحلية وتحييد العقوبات وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي لها.

على الرغم من أن بعض التقارير أشارت إلى أن إيران تنوي حرمان الهند من الاستثمار في ميناء جابهار لصالح بكين، إلاّ أن طهران تمتنع بحذر أيضاً عن وضع جابهار في أيدي بكين، لذلك، تسعى طهران للضغط على الهند لتسريع الاستثمار المضاعف في ميناء جابهار.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهّل هذه الاتفاقية انضمام إيران إلى شبكة الطرق السريعة الرئيسية، وتحولها إلى محور جديد على طريق الحرير، وممرّ نقل دولي بين شمال المعمورة وجنوبها، وطريق الكتان بالطبع.

لهذا، ليس من المستغرب أن تستهدف الولايات المتحدة العلاقات الاستراتيجية بين إيران والصين، حيث تتطلب المبادئ التوجيهية الجيوسياسية الجديدة للولايات المتحدة، كما تم التأكيد عليه في استراتيجية السياسة الخارجية للجمهوريين وللديمقراطيين على حدّ سواء، هو منع نهوض قوى جديدة في الهندسة المستقبلية للنظام الدولي الذي ترسمه امريكا كما يحلو لها، والحفاظ على أحادية القطب الامريكي في النظام الدولي الحالي.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك

X
آگهی تبلیغاتی