معرف الأخبار : 40055
تاريخ الإفراج : 1/14/2020 7:36:45 PM
بحث اغتيال الفريق سليماني في ضوء القوانين الدولية

بحث اغتيال الفريق سليماني في ضوء القوانين الدولية

إن اغتيال اللواء سليماني يمثل انتهاكا صارخا لجميع الأحكام المتعلقة بالعداء المسلح وآليات الدفاع الشرعي في العالم، وامريكا غير قادرة على تبرير عمل إرهابي مخالف لقوانينها.

نورنيوز- منذ القديم كان يُستخدم أسلوب تصفية وتدمير المعارضين كوسيلة لكسب السلطة والمحافظة عليها، وعادة ما تحدث الاغتيالات من قبل الأفراد والمنظمات المستقلة وأحيانا عن طريق الحكومات. ولكن تبدّلت الاحوال منذ القرن الماضي مع تزايد عمليات الاغتيال التي تقوم بها الحكومات، وبهدف الفرار من تبعات هذه العمليات كان المسؤولين عنها من من النادر أن يتبنّوها.

على سبيل المثال، لم تأل الاستخبارات المركزية الامريكية (سي آي ايه) جهدا لاغتيال الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو"، من دون أن تعلن مسؤوليتها عن مثل هذه المحاولات، أو كما تسبّبت عمليات الموساد الصهيوني باستشهاد عدد من قادة المقاومة الفلسطينية، دون ان تكشف تل أبيب عنها بتاتاً.

اما في العصر الجديد الذي بدأت معالمه بالظهور في أواخر الثمانينات، بات الامر مختلفاً وأصبحت الدول تتبنّى رسميا مسؤولية عميات الاغتيال التي تقوم بها.

فقد اقرّت امريكا بكل صراحة مساعيها لتفجير منزل الزعيم الليبي السابق "معمر القذافي"، والكيان الصهيوني تبنّى أيضا العديد من عمليات الاغتيال التي استشهد على إثرها عدد من قادة المقاومة الفلسطينية من قبيل "عبد العزيز رنتيسي" و "الشيخ احمد ياسين"، واما آخر مثال على التغيرات التي طرأت في عصرنا هذا، أعلنت امريكا مسؤوليتها عن اغتيال الفريق سليماني في غارة جوية غادرة بمطار بغداد.

لا يختلف اثنان على ان الاغتيال نوع من أنواع الاعدام الخارج عن نطاق القانون تقوم به حكومة أو سلطة ما بكل برودة دم لإنهاء حياة من يعارض سياساتها، ولهذا صيغت المادة رقم 6 في ميثاق الامم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية لتجريم هذا النوع من القتل وعدته مخالفا لحقوق البشر الطبيعية.

تستخدم العديد من الدول التي تنفّذ عمليات اغتيال لتحقيق مصالحها مصطلح "الاغتيال الهادف" لتبرير أعمالها. في حين أن الاغتيال الهادف هو استهداف جهات إرهابية حتى خارج حالة الحرب للتخلص منها.

وللتوضيح أكثر لابد من توجيه اتهام رسمي إلى الأفراد المستهدفين بممارستهم الارهاب لتنفيذ ما يسمى الاغتيال الهادف، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يكون أعضاء حركات التحرير والعاملين الرسميين في القوات المسلحة لبلد ما جزءًا من الأهداف المشروعة للاغتيال ما لم يكونوا في نزاع أو حرب كلاسيكية.

لدى نظرية الاغتيال الهادف العديد من المعارضين، حتى مع افتراض استهدافها لإرهابيين على مستوى العالم. يعتقد المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أنه حتى في حالة النزاع المسلح، يجب احترام المتطلبات المناسبة للقانون وأن الوضع يخضع لقانون حقوق الإنسان وأنه لا يمكن قتل شخص خارج المحكمة دون محاكمة عادلة.

طرح البعض نظرية الدفاع الشرعي لتبرير ما يسمى الاغتيالات الهادفة. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، تمت مناقشة ممارسة الحق في الدفاع عن النفس ضد الجماعات الإرهابية غير الحكومية وتم التأكيد عليه في القرارين 1373 و 1386.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه في حالة الدفاع الشرعي، فإن وجود العداء وضرورة الدفاع عن النفس أمر ضروري والاعتداءات السياسية والاتهامات التي لا أساس لها لا يمكن اللجوء إليها بالقوة لاغتيال الطرف الآخر.

وفي سياق اغتيال اللواء قاسم سليماني توجد بعض النقاط التي لابد من ذكرها:

1. لم تكن ايران وامريكا في حالة حرب عندما أقدمت الاخيرة على اغتيال سليماني. وبحسب المادة الثانية في اتفاقيات جنيف الأربعة عُرّف النزاع المسلح كما يلي: تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في حالة نشوب حرب رسمية أو أي نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف. كما تصف المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا النزاع المسلح بأنه استخدام للقوة بين دولتين.

وهنا يوجد سؤال يطرح نفسه وهو في أي مكان من الارض تمرّ فيه ايران وامريكا بحالة نزاع مسلح لتقوم واشنطن وبكل برودة دم باستهداف قائد عسكري ايراني رفيع خارج الاراضي الايرانية خلال قيامه بزيارة رسمية الى بلد آخر؟

2. ويوجد امر آخر لابد من تناوله في سياق عملية الاغتيال المذكورة آنفاً، وهو تذرّع امريكا بمواقف الحرس الثوري للقيام بفعلتها. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن هذا الاقدام الامريكي باعتبار الحرس الثوري منظمة ارهابية هو أمر غير معقول تماماً ويتعارض مع القانون الدولي.

ذلك لأن الحرس الثوري جزء لا يتجزأ من السلطة الرسمية الايرانية وبموجب المادة 2 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن ضمان حقوق الدول وممتلكاتها، لا يمكن لأمريكا مقاضاة الحكومة الإيرانية من خلال محاكمها المحلية فقط.

من ناحية أخرى، وبموجب المادة 5 من الاتفاقية السابقة، لا يمكن للمحاكم المحلية في امريكا مقاضاة الحرس الثوري، وهو أحد أركان الجمهورية الاسلامية الايرانية. وبالتالي، فإن الافتراض بأن الحرس الثوري الإيراني إرهابي وتبرير القيام بأعمال عدائية ضده هو امر باطل بشكل كامل، وبينما لا توجد جهة دولية، بما في ذلك مجلس الأمن، تعتبر الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، لا يمكن لأمريكا أن تعلن من جانب واحد أن الحرس منظمة إرهابية وتعلن الحرب عليه.

كل ماسبق يأتي مع العلم بأن الحرس الثوري الإيراني يعدّ ركيزة عسكرية رئيسية لإيران، وبحسب قوانين اتفاقيات جنيف بشأن المؤسسات العسكرية الرسمية والعلاقات التي تربطها لا يمكن اعتبار الحرس الثوري ارهابيا بشكل قاطع.

لهذا، إن اغتيال الفريق سليماني يمثل انتهاكا صارخا لجميع الأحكام المتعلقة بالعداء المسلح وآليات الدفاع الشرعي في العالم، وامريكا غير قادرة على تبرير عمل إرهابي مخالف لقوانينها.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك