معرف الأخبار : 84860
تاريخ الإفراج : 1/10/2022 1:25:52 PM
مرثية بايدن للديمقراطية الامريكية المتهالكة

مرثية بايدن للديمقراطية الامريكية المتهالكة

نظراً للنموذج الداخلي المشوّه الذي تقدمه امريكا للعالم عن ديمقراطيتها المتهالكة، تبدو فكرة استعادة القوة الناعمة التي تسعى لها الولايات المتحدة أشبه بمحاولة إعادة عجوز تسعيني وافته المنية منذ مدّة طويلة الى الحياة.

نورنيوز- أثارت قمة الديمقراطية التي عقدت في الولايات المتحدة في 9 ديسمبر 2021، التي حملت عنوان الدفاع عن الديمقراطية ضد الاستبداد ومحاربة الفساد وتعزيز احترام حقوق الإنسان، الكثير من الانتقادات حول أهلية الولايات المتحدة لعقدها والدول التي شاركت بها.

تعكس القمة رغبة بايدن في انتهاز شعارات الديمقراطية لتوسيع أهداف امريكا الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وعلى وجه التحديد لاستعادة الهيمنة الأمريكية المفقودة وبناء تحالف من الدول المتآلفة والمتناغمة مع السياسة الامريكية لاحتواء الصين وروسيا.

لم يك بايدن أول رئيس أو آخر رئيس في التاريخ الأمريكي يستخدم رافعة الديمقراطية في السعي لتحقيق أهداف سياسة بلاده الخارجية، فقبله، كان "ويلسون" يفكر في جعل العالم مكانا أكثر أمانا للديمقراطية.

كما دعا روزفلت إلى ميثاق الأطلسي، وأسس كلينتون جمعية الديمقراطيات، وأعلن بوش تحت ستار الحملة الصليبية أجندة الحرية والتحرر من ديكتاتوريات العالم، ويشير بايدن الآن إلى الحاجة إلى إعادة تأسيس تحالف ديمقراطي متمركز حول الولايات المتحدة وسط الضعف المتدهور والمتزايد للقيم الديمقراطية.

حيث صرّح بايدن في القمّة المذكورة سالفاً: "الديمقراطية بحاجة إلى بطل الآن أكثر من أي وقت مضى"، في إشارة إلى التحديات المستمرة والمثيرة للقلق التي تواجه البلدان في جميع أنحاء العالم.

ولفت إلى أن الظالمين يرون أن الأساليب القمعية وسيلة فعالة لمواجهة تحديات اليوم، ودعا جميع الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم إلى الاتحاد ضد القوة المتنامية للأنظمة الاستبدادية والتمسك بالقيم المشتركة فيما بينها.

وحضّ النشطاء المؤيدين للديمقراطية على المزيد من الجهود من أجل العدالة وسيادة القانون، وحرية التعبير، والمجتمعات، والصحافة، والدين، وجميع حقوق الإنسان.

بغض النظر عن الخلفية الأمريكية غير السارة في نهجها الفعال تجاه الديمقراطية، فإن السؤال المثير للجدل هو ما إذا كانت الولايات المتحدة حاليا في وضع يمكنها من تقييم الديمقراطية ويؤهلها لاحتضان مثل هذه الاجتماعات؟

في الحقيقة، يجب ألا تكون هناك فجوة بين التزام أمريكا بالديمقراطية خارج حدودها وتمسكها بالمبادئ الديمقراطية في الداخل، بينما مثل هذا الوضع مشرذم في أمريكا، اذ تقوم سياستها الخارجية على شنّ حروب وحشية مفجعة لا نهاية لها، الأمر الذي يخالف ما تزعمه بشأن تبنيها "الديمقراطية الليبرالية".

كما يبرز عيب آخر في نهج بايدن المؤيد للديمقراطية، حيث يستند إلى فرضية خاطئة مفادها أن جميع الديمقراطيات تتصرف على قدم المساواة بسبب التزامها المشترك بالقيم الديمقراطية، في حين أنه لا يلاحظ أن القيم الديمقراطية، حتى لو كانت موجودة، هي العامل الوحيد الذي يؤثر على توجه السياسة الخارجية، إذ لم يكونوا في حروب أمريكا الوحشية واللاإنسانية في أفغانستان والعراق وليبيا يعيرون الديمقراطية اي اهتمام.

وكان لدى بايدن أسباب وجيهة أخرى لاستضافة الحدث، حيث تتمثل أهداف الاجتماع بتبني استراتيجية ذكية لتحدي الصين وروسيا من خلال تفسير الصراع بين الانقسام الأيديولوجي للديمقراطية والاستبداد الذي تقوده امريكا.

إلى جانب ذلك، أصر بايدن على الالتزام بشعاراته الانتخابية وتبديد فكرة أن امريكا لن تضطر بعد الآن للقلق بشأن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد ترامب.

الحقيقة الاخرى، هي أن الصين وروسيا فقط، اللتين تستشهد بهما واشنطن لانتقاد حكمها الاستبدادي، ليستا السبب في إضعاف الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، ولكن بناءً على الشواهد السياسية والاقتصادية التي رأيناها على مدى السنوات القليلة الماضية، لم يتسبب أي عامل خارجي في إضعاف الديمقراطيات في دول العالم، إنما كان السبب الرئيسي لتهالك الديمقراطيات هو تآكل داخل الديمقراطيات نفسها.

وقد رأينا بأم أعيننا في امريكا عندما عبث ترامب بالانتخابات وما أعقبها من الهجوم على مبنى الكابيتول، وكان أحد التهديدات الرئيسية للديمقراطية الأمريكية، إضافة الى مزاعم ترامب بتزوير وسرقة نتائج الانتخابات الرئاسية، وكانت انتفاضة 6 يناير في واشنطن ثورة ضد التحول الديمقراطي ومحاولة فاشلة لتقويض حق المواطنين في الاقتراع والتعبير عن رأيهم.

مشهد آخر يشير الى تآكل الديمقراطية في الولايات المتحدة والعديد من حلفائها، خاصة في عهد ترامب والتطورات الخبيثة المرتبطة بالسلوك الهدام للدول الغربية ضد بعضها البعض في كبح جماح كورونا.

لذلك سيكون من المثير للسخرية الافتراض أن السياسة الخارجية الصينية الروسية مدفوعة بالزخم الأيديولوجي لانتشار الاستبداد ومناهضة الديمقراطية في العالم.

ورغم أن بكين وموسكو تعتبران امريكا خصمهما الجيوسياسي الرئيسي وتسعيان للتنافس مع النفوذ الأمريكي وتحشيد واشنطن مع الدول الأخرى في أي وقت ومكان ممكنين، إلا أن هذا التنافس ينحصر في المجالين السياسي والاقتصادي.

حتى تقييم منظمة فريدوم هاوس غير الحكومية لحالة الحقوق السياسية والمدنية في مختلف دول العالم، أظهر أن الولايات المتحدة واجهت موجة من التآكل في ممارساتها وعلاقاتها الديمقراطية خلال العام 2020.

على مدى العقد الماضي، تراجع مستوى الديمقراطية في امريكا من 94 إلى 83 بالمائة، وهي واحدة من أشد النكثات بين الديمقراطيات في العالم خلال تلك الفترة.

كما خفض مركز معلومات اكونوميست تصنيف الولايات المتحدة إلى ديمقراطية معيبة، وحدث ذلك قبل وصول دونالد ترامب إلى السلطة، ولم يتغير شيء منذ ذلك الحين.

لهذا، نظراً للنموذج الداخلي المشوّه الذي تقدمه امريكا للعالم عن ديمقراطيتها المتهالكة، تبدو فكرة استعادة القوة الناعمة التي تسعى لها الولايات المتحدة أشبه بمحاولة إعادة عجوز تسعيني وافته المنية منذ مدّة طويلة الى الحياة.

أظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث في البلدان التي شملها الاستطلاع أن​ 17 في المائة يرون الديمقراطية الأمريكية كمثال جيد، و 23 في المائة لا يرونها نموذجا للديمقراطية على الإطلاق.

من الصعب بالتالي الجدال مع وجهة النظر القائلة بأن تراجع الديمقراطية في الولايات المتحدة يتباطأ ليس بسبب الاستبداد المتزايد في بكين وموسكو، ولكن بسبب المشاكل الداخلية والسياسة الخارجية القائمة على الحروب اللاإنسانية المنهجية.

بناء على ماتقدم، لن يؤدي استخدام نهج الترسيم وتحديد الخطوط بين الديكتاتوريات والديمقراطيات، كما يراه بايدن كرافعة جيوسياسية وجيوستراتيجية، إلى مزيد من تهالك الديمقراطية الامريكية فحسب، بل يخدم أيضا سياسة الفصل العنصري في العالم، وهو ما يتعارض مع مصالح الإصلاح الديمقراطي الليبرالي، ويظهر تراجع الديمقراطية الأمريكية أكثر فأكثر الى ان يودي بها نحو الهاوية.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك